كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

قريش، ولا أرى هذا الحي من بني هاشم يقدرون على محاربة جميع قريش، فعند ذلك سيرضون بالدِّية، فإذا رضوا بديته دفعنا لهم عقله واسترحنا منه.
فقال ذلك اللعين: هذا هو الرأي الذي لا رأي غيره، أما هذا الفتى فهو أجودكم رأيًا. وهذا معنى قوله: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ} أي: بالسجن وقفل الأبواب عليك {أَوْ يُخْرِجُوكَ} إلى غير مكة من البلاد {أَوْ يَقْتُلُوكَ} قتلة رجل واحد حتى يتفرق دمك في قبائل قريش. {وَيَمْكُرُونَ} هذا المكر ليوصلوا إليك الشر في خفية. {وَاللَّهُ} جل وعلا {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: الآية 30]- مكر لك بهم، وأخرجك، ونجاك، وأظفرك بهم يوم بدر حتى قتلتهم وأسرتهم، هذا مكرهم وهذا مكر الله.
ولما أجمعوا على هذا الرأي، واتفقت عليه كلمة الجميع، جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بجميع ما قالوا، وقال له: «لا تَبِت الليلة في موضع مبيتك» فنادى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وأمره أن ينام في المحل الذي كان ينام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج رسول الله، وقريش محدقون بمنزله، ينتظرون أن يخرج فيقتلوه القتلة التي أشار عليهم بها أبو جهل وإبليس، فأعمى الله عيونهم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقرأ أوائل سورة (يس) وفي يده تراب، فَذَرَّ التراب على رؤوسهم ويقرأ إلى قوله: {فَأَغْشينَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} (¬1) [يس: الآية 9] وأذن له في ذلك الوقت في الهجرة
¬_________
(¬1) مصنف عبد الرزاق (5/ 389)، الطبقات لابن سعد (1/ 153)، تاريخ الطبري (2/ 242)، تفسير الطبري (13/ 294، 498)، السيرة لابن هشام ص502.

الصفحة 573