كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

فخرج هو وصاحبه إلى الغار، فانتظرت قريش حتى الصبح، فوثبوا عليه ليقتلوه، فوجدوا المكان فيه علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري! فاقتصوا أثره حتى جاءوا الجبل الذي فيه الغار فخفي عليهم أثره، وجاءوا الغار، قال بعض علماء السير: فوجدوا على الغار نسج العنكبوت (¬1)،
فقالوا: لو دخل هنا لما كان على الغار نسج العنكبوت، ومكث هو وصاحبه في الغار ثلاث ليال -كما قاله بعضهم- واتفقوا مع عبد الله بن الأريقط من بني دئل من كنانة، وأعطوه مراكبهم، وجاءهم في الوعد؛ لأنهم في ذلك الوقت محتاجون إلى دليل خبير بالأرض فيما بين مكة والمدينة؛ لأن الطرق السابلة المعروفة عليها العيون والرصد؛ لأن قريشًا جعلت الجعائل والأموال الطائلة لمن يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم، فصار يحتاج إلى أن يمشي في طرق غير معهودة، وسبل غير معروفة، فآجر لذلك عبد الله بن الأريقط الدئلي، فلما كان بالموعد وأيس قريش من أن يجدوه ورجعوا جاءه فركبوا، وأخذ بهم طرقًا غير الطرق المعهودة فلم يطلع عليهم أحدٌ من العرب، حتى مروا ببلاد بني مدلج بن بكر بن كنانة، ذكرهم أحد فقال: أخاف أن يكون هو الرجل الذي يطلبه قريش. فقال له سراقة بن مالك بن جعشم (رضي الله عنه):
¬_________
(¬1) قصة نسج العنكبوت هذه أخرجها أحمد (1/ 348)، وعبد الرزاق (5/ 389)، وابن سعد (1/ 154)، وابن جرير في التفسير (13/ 497). وقد حسنها الحافظان: ابن كثير وابن حجر. انظر: البداية والنهاية (3/ 181) وقال: «هذا إسناد حسن، وهو من أجود ما رُوي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار» اهـ. يعني إسناد الإمام أحمد. وانظر الفتح (7/ 236)، أحاديث الهجرة ص138 - 140 ..

الصفحة 574