كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

النبي صلى الله عليه وسلم لمّا تكالبت عليه قوى الشر، واتفق الكفار وشيخهم إبليس على أن يمكروا به، واضطر إلى خبير له خبرة بالأرض، ووجد رجلاً كافرًا هو عبد الله بن الأُريقط لم يمنعه كفره من أن يستفيد من خبرته الدنيوية، فاستفاد من خبرته حتى أوصله المدينة بسلام، ومع ذلك لم يأخذ عنه من الكفر شيئًا، بل هو مرضٍ ربه. فعلى المسلمين أن يعتبروا بأمثال هذا، وينتفعوا من الكفار بخبرتهم الدنيوية، ولا يتبعوهم فيما يضر دينهم ويسخط ربهم. وأمثال هذا كثيرة، وسنضرب لكم بعض الأمثلة منها:
من ذلك ما يأتي في تفسير سورة الأحزاب من تفاصيل وقعة الخندق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يذكره الأخباريون لما سمع بمقدم أهل الأحزاب قال له سلمان الفارسي: كنّا إذا خفنا خَنْدَقْنَا (¬1). والخندق هذا هو خطة عسكرية ابتدعتها أفكار الفرس، وهم قوم يعبدون النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم لعلمه ومعرفته بالخير والشر لم يمنعه من هذه الخطة العسكرية أن الذين اخترعوها كفرة، بل انتفع بعلم الكفرة الدنيوي وخَنْدَق، مع أنه لا يقلدهم في شيء يضر بدينه صلوات الله وسلامه عليه.
ومن أمثلة ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه هَمَّ أن يمنع وطء النساء المراضع؛ لأن العرب كانوا يزعمون أن الرجل إذا أتى امرأته في رضاعها أن ذلك يُضعف ولدها، ويضعف عظمه، وكانوا إذا ضرب الرجل ونبا سيفه عن الضريبة ولم يقطع قالوا: هذا وُطئت أمه وهو يرضع؛ لأن الغيلة تضعف الرجال،
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (115) من سورة الأنعام.

الصفحة 576