كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وكان شاعرهم يقول (¬1):
فَوارسُ لم يُغالُوا في رَضَاعٍ ... فَتَنْبُو في أكُفِّهم السُّيُوفُ

فأخبرته فارس والروم أنهم يفعلون ذلك ولا يضر أولادهم (¬2). فأخذ هذه الخطة الطبية من فارس والروم وهم كفرة، وأخذ تلك الخطة العسكرية من الفرس وهم كفرة، وانتفع بخبرة ذلك الخبير الكافر وهو كافر.
وهذا يعلمنا أن نفرق بين حضارة الإفرنج -عليهم لعائن الله- ونفصل بين ضارها ونافعها، فننتفع بنافعها وهو منافعها الدنيوية، ونجتنب سمومها الفتاكة القاتلة، وهي ما تدعو إليه من سوء الأخلاق وضياع كل قيمة، والتمرد على خالق السماوات والأرض (جل وعلا). ففيها ماء زلال وسُمٌّ قاتل، فعلينا أن نجتنب السم، ونأخذ الماء الزلال كما كان صلى الله عليه وسلم يفعل كما مثلنا له (¬3).
ومن المؤسف كل المؤسف أن الذين صار عندهم شيء من هذه القشور التي يعبرون عنها بالتقدم والحضارة وأمثال ذلك لا يأخذون عن الكفار إلا السم القاتل الفتاك، من الانحلال الخلقي، وضياع الأخلاق، والتمرد على نظام السماء، ومجاهرة رب العالمين بالمعاصي، والتزهيد في القرآن وفي الرسل، في الوقت الذي لا ينتفعون من مائها الزلال وقوتها المادية شيئًا!! فإنا لله وإنا إليه راجعون من عاقل يأخذ السم ويترك الماء، فهذا من طمس البصائر
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (115) من سورة الأنعام.
(¬2) تقدم تخريجه في الموضع السابق.
(¬3) السابق.

الصفحة 577