كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وغيرها، واشترى كتبًا وفيها تاريخ رستم وإسفنديار، وكان إذا وجد النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويقص فيه أخبار الأمم الماضية. جلس هو يقرأ عليهم من تلك الأساطير من أخبار رستم وإسفنديار ويقول لهم: أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد.
وقال بعض العلماء: إن قريشًا كذبوا فقالوا: نحن نقدر على أن نتكلم بمثل هذا القرآن، وهذا معنى قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا} [الأنفال: الآية 31] سمعنا هذا الذي يتلوه لو نشاء معارضته بمثله لقلنا مثله، وقدرنا على الإتيان بمثله، وهذا كذب محض منهم، سواء قلنا: إن قائله النضر بن الحارث، وأنه يعارضه بأساطير الأولين مما أتى به من تاريخ فارس، أو قلنا: إنه قاله غيره من قريش، ومعلوم أن القرآن العظيم لا يقدر أحدٌ أن يأتي بمثله، وأن هذه الدعوى كاذبة، وأن صاحبها من أظلم الظالمين كما قدمنا إيضاحه في سورة الأنعام في تفسير قوله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شيء وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ} [الأنعام: الآية 93] أي: لا أحد أظلم من هذا ولا هذا.
فقد ذكرنا مرارًا أن الله تبارك وتعالى تحدى الكفار بسورة من هذا القرآن العظيم، في سورة واحدة، في سورة البقرة وسورة يونس، قال في سورة البقرة: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)} [البقرة: الآية 23] ثم قال: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} [البقرة: الآية 24] فصرّح بأنهم لن يفعلوا أبدًا ولا يقدرون أبدًا، وتحداهم بسورة واحدة أيضًا في سورة يونس في قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)} [يونس: الآية 38] وتحداهم في سورة هود

الصفحة 579