كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

بعشر سور، قال في هود: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)} [هود: الآية 13] ثم أوضح عجزهم وأنه منزل من رب العالمين حيث قال: {فَإلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [هود: الآية 14] ثم تحداهم في سورة الطور بالقرآن كله، وذلك في قوله: {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34)} [بالطور: الآية 34]. ثم صرّح في سورة بني إسرائيل وهي سورة (سبحان الذي أسرى) أن جميع البشر من الإنس والجن لا يقدرون على معارضة هذا القرآن، ولا الإتيان بمثله حيث قال: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)} [الإسراء: الآية 88] وبذلك يُعلم كذب النضر بن الحارث وغيره من قريش في قوله: {قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا} [الأنفال: الآية 31] مفعول (نشاء) محذوف- لو شئنا قولاً مثل هذا لقلناه. وقد قدمنا مرارًا (¬1)
أن فعل المشيئة إذا عُلق بأداة الشرط يُحذف مفعوله؛ لأن جزاء الشرط يكفي عنه، وهو الغالب في القرآن وفي لغة العرب، وربما ذكر المفعول في القرآن، ولم أجده مذكورًا في كتاب الله إلا إن كان مصدرًا منسبكًا من (أن) وصلتها، كقوله: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَتَّخَذْنَاهُ} [الأنبياء: الآية 17] {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاَصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [الزمر: الآية 4] وربما ذُكر مثل هذا في كلام العرب، ومنه قول الشاعر (¬2):
وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ ... عَلَيْك وَلَكِنْ سَاحة الصَّبرِ أوسَعُ
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (35) من سورة الأنعام ..
(¬2) السابق.

الصفحة 580