كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وهذا معنى قوله: {لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} (إن) هذه هي النافية، والإشارة في (هذا) إلى القرآن المعبَّر عنه بالآيات التي تتلى في قوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا} أي: تُلي عليهم هذا القرآن قالوا: كذا وكذا، وقالوا: {إِنْ هَذَا} ما هذا القرآن المعبَّر عنه بالآيات التي تتلى {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الأساطير: جمع أسطورة أو إسطارة، وهي ما كتبته الأمم الماضية من تاريخ ونحوه (¬1)، كما كان النضر بن الحارث يأتي بالأساطير التي كانت مكتوبة عن فارس، وهذا معنى قولهم: {إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} [الأنفال: الآية 31] يزعمون أن النبي استملاها من غيره، فأملاها عليه غيره فكتبها، كما قال في سورة الفرقان: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (5)} [الفرقان: الآية 5] قبحهم الله، ما أوضح كذبهم! وهذا معنى قوله: {إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} [الأنفال: الآية 31].
ثم قال تعالى: {وَإِذْ قَالُواْ اللهمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33)} [الأنفال: الآيتان 32، 33] ثبت في صحيح مسلم والبخاري من حديث أنس بن مالك أن قائل هذه المقالة: أبو جهل -لعنه الله- عمرو بن هشام بن المغيرة (¬2). والأكثرون من المفسرين
¬_________
(¬1) انظر: المفردات للراغب (مادة: سطر) ص409، المعجم الوسيط (مادة: سطر) (1/ 429).
(¬2) البخاري في التفسير، باب: {وَإِذْ قَالُواْ اللهمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ} حديث رقم: (4648) (8/ 308). ومسلم في صفات المنافقين وأحكامهم، باب قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. حديث رقم: (2796) (4/ 2154).

الصفحة 581