كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

العذاب بأمة ونبيها موجود فيها، بل إذا أراد إنزال العذاب بهم أمر نبيهم أن يخرج عنهم فينزل عليهم العذاب بعد أن فارقهم.
الأمان الثاني هو المذكور في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
ومع ذكر الأمانين قال بعده: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} [الأنفال: آية 34] أيُّ شيء ثبت لهم يمنعهم من التعذيب {وَهُمْ يَصُدُّونَ} الناس {عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، ويفعلون ويفعلون؟ فيقول طالب العلم: كيف يقول: إن لهم أمانين ويصرح بأنه لا شيء يمنعهم من العذاب؟ هذا محل الإشكال الذي أشكل على كثير من المنتسبين للعلم.
والجواب عن هذا من أربعة أوجه:
أحدها: أن المعنى: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فبقي المستغفرون.
واعلموا أن هذا الاستغفار فيه أقوال معروفة عند العلماء متقاربة لا يكذب بعضها بعضًا، كل واحد منها مروي عن جماعة من السلف من علماء التفسير (¬1)، قال بعض العلماء: {وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} هذا من إطلاق المجموع مُرادًا به بعضه، وأن المراد بالمستغفرين خصوص المؤمنين المستضعفين. الكائنين بين أظهرهم، ومن أساليب اللغة العربية: إطلاق المجموع مرادًا بعضه (¬2). كما قال تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} [الشمس: الآية 14] والعاقر واحد،
¬_________
(¬1) المصدران السابقان.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (72) من سورة البقرة.

الصفحة 585