كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

يَهْوَيْنَ في نَجْدٍ وغَوْرًا غَائِرا ... فَوَاسِقًا عن قَصْدِهَا جَوَائِرا
أي: خوارج عن قصدها الذي تَمْشِي عَلَيْهِ. هذا أصل الفسق في لغة العرب (¬1)، ومنه قولهم: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ؛ أيْ: خرجت. وهو في اصطلاحِ الشرع: الخروج عن طاعة الله، كما قال تعالى: {فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: آية 50] أي: خرج عن طاعة ربه والخروج عن طاعة الله قد يكون أعظم أنواع الخروج وهو الكفر، وقد يكون خروجًا دون خروج وهو المعاصي، ومن هنا أُطلق في القرآن الفسق على الكفر والمعاصي، فمن إطلاقه على الكفر قوله: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} [البقرة: آية 26] ومن إطلاقه على المعاصي دون الكفر: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: آية 6] وهذا معنى قوله: {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف: آية 102].
{ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)} [الأعراف: آية 103].
معلوم أن (ثم) حرف عطف مع الترتيب والانفصال، و {بَعَثْنَا} معناه: أرسلنا. وصيغة الجمع للتعظيم {مِن بَعْدِهِم مُّوسَى} من بعدهم أي: من بعد الرسل المذكورين في هذه السورة، وهم: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب، {بَعَثْنَا} من بعد هؤلاء نبينا موسى، بعثناه {بِآيَاتِنَا} وهي الآيات التسع والمعجزات التي جاء بها فرعونَ، كاليد البيضاء، والعصا الآتية في هذه السورة، وبعض الآيات المذكورة في سورة الأعراف كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
¬_________
(¬1) السابق.

الصفحة 59