كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

هي علامات واضحة قاطعة على أن الله مصدق لمن أعطاه إياها مقارنة للتحدي كما هو معروف (¬1).
وقوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} الباء في قوله: (بها) عدَّى به. و (ظلموا) فيه وجهان معروفان لعلماء التفسير (¬2):
أحدهما: أن (ظلموا) معناه: كفروا. أي: فكفروا بها، وإذا كان (ظلموا) بمعنى: كفروا فلا إشكال في الباء، والظلم كثيرًا ما يُطلق بمعنى الكفر كقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)} [يونس: آية 106] وعلى هذا فالظلم بمعنى الكفر، وتعديته بالباء واضحة، وبعض العلماء يقول: فظلموا بسببها، حصل منهم الظلم الكبير بسببها حيث كذبوا بها ولم تدلهم على الحق وعاندوا. وذلك الظلم قد بين (جل وعلا) أنهم أيقنوا أن الآيات حق، وأنهم ظلموا عدوانًا منهم، كما قال في قوم فرعون لما علموا الحق من آيات موسى في أول سورة النمل: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: آية 14] فقوله: {ظُلْمًا وَعُلُوًّا} في النمل يوضح قوله: ... {فَظَلَمُواْ بِهَا} أي: بسببها، وقد قال تعالى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} [الإسراء: آية 102] أي: {لَقَدْ عَلِمْتَ} يا فرعون {مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} الآيات {إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} أي: دلالات قاطعة لا تترك في الحق لبسًا، وهذا معنى: {فَظَلَمُواْ بِهَا}.
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (101) من سورة الأعراف.
(¬2) انظر: القرطبي (7/ 256)، الدر المصون (5/ 400).

الصفحة 62