كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وقد قدمنا في هذه الدروس مرارًا (¬1): أن الظلم في لغة العرب هو: وضع الشيء في غير موضعه فكل من وضع شيئًا في غير موضعه فقد ظلم، وأكبر أنواع وضع الشيء في غير موضعه: وضع العبادة في غير من خلق، ثم يليه: وضع الطاعة في الشيطان دون الله (جل وعلا)، والعرب كلُّ من وضع شيئًا في غير موضعه تقول له: ظَلَم. ومن هذا المعنى قالوا للذي يضرب لبنه قبل أن يروب: إنه ظالم؛ لأن الضرب وقع في غير موضعه؛ لأنه يُضيع زُبده؛ ولذا كانوا يُسمّون الذي يضرب [لبنه] (¬2) قبل أن يروب: ظالمًا، ففي لُغَز الحريري يقول: «هل يجوز أن يكون الحاكم ظالمًا؟ قال: نعم إذا كان عالمًا» (¬3). فقوله: «ظالمًا» يعني: يضرب لبنه قبل أن يروب، وهذا معنى معروف في كلام العرب، ومنه قول الشاعر (¬4):
وقائلةٍ ظلمتُ لكم سِقَائي ... وهل يخفى على العَكدِ الظَّلِيمُ

وقول الآخر (¬5):
وَصَاحِبِ صِدْقٍ لَمْ تَرُبْنِي شَكَاتُه ... ظلمتُ وفي ظَلْمي له عامِدًا أَجْرُ

فهذا معروف في كلام العرب بكثرة، ومنه قيل لمن وضع شيئًا في غير موضعه: (ظالم)؛ ولذا سَمّوا الحُفَرَ في الأرض التي ليست محلاً للحفر والماء: (مظلومة)، ومنه قول نابغة ذبيان (¬6):
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة ..
(¬2) في الأصل: (زبده) وهو سبق لسان.
(¬3) مضى عند تفسير الآية (129) من سورة الأنعام.
(¬4) السابق.
(¬5) مضى عند تفسير الآية (51) من سورة البقرة.
(¬6) السابق.

الصفحة 63