كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

إلا الأوَارِيَّ لأْيًا ما أُبَيِّنُها ... والنُّؤيُ كالحوضِ بالمظْلُومةِ الجَلَدِ

وسمُّوا تراب القبر: (ظليمًا)؛ لأنه يُحفر وهو ليس محلاً للحفر أصلاً، ومنه قول الشاعر (¬1):
فأَصْبَحَ في غَبْراءَ بعد إِشَاحةٍ ... من العيش مردودٍ عليها ظَلِيمُها

هذا معروف في كلام العرب، ولم يأت الظلم في القرآن إلاّ بهذا المعنى، إلا في موضع واحد في سورة الكهف: الظلم منه بمعنى النقص، وهو قوله: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ} [الكهف: آية 33] يعني: ولم تنقص {مِنْهُ شيئًا}.
إذا عرفتم هذا فَكُلّ مَنْ كَفَرَ بالله فقد وَضَعَ العِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعَها، ومن عصى ربه وأطاع الشيطان فقد وضع الطاعة في غير موضعها، ووضع المعصية في غير موضعها، ومن هنا كان الظلم يُطلق على الكفر وعلى المعاصي، قد قدمنا إطلاق الظلم على الكفر آنفًا في قوله: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: آية 254] {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: آية 13] {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: آية 106] وقد يطلق الظلم على معصية الله ولو لم تكن كفرًا كقوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: آية 32] {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} إلى قوله: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: آية 36] لا تعصوا الله فيهن، هذا معنى قوله: {فَظَلَمُواْ بِهَا} أي: بسببها.
{فَانظُرْ} يا نبي الله {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}
¬_________
(¬1) السابق.

الصفحة 64