كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

[الأعراف: آية 103] ماذا يؤول إليه أمر المفسدين من الوبال والدمار والخسار فإن جميع الأمم الماضية كانت عاقبة إفسادها عاقبة وخيمة جدًّا، فأهلك الله قوم نوح بالطوفان، وقوم هود بالريح العقيم، وقوم صالح بالصيحة، وقوم شعيب بالصيحة والرجفة والظّلة، وأهلك قوم موسى -فرعون وقومه- بالغرق كما سيأتي إيضاحه، وهذا معنى قوله: {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} أهل الإفساد، وقد قدمنا أنهم الذين يحاولون أن يعملوا في الأرض بغير ما أنزل الله (جل وعلا) على رسله.
يقول الله جل وعلا: {وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105)} [الأعراف: الآيتان 104، 105] قرأ هذا الحرف جماهير القراء، منهم السبعة كلهم غير نافع: {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} وقرأه نافع وحده من السبعة: {إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ حقيق عَلَيَّ أنْ لا أقول على الله إلا الحق} (¬1)، وقراءة الجمهور فيها إشكال معروف سنُلم به الآن إن شاء الله (¬2).
معنى الآية: {وَقَالَ مُوسَى} نبي الله موسى يعلم أن فرعون ينكر رسالته كما بيَّنه تعالى في الشعراء بقوله: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19)} [الشعراء: الآيتان 18، 19] من يقول فرعون عنه
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص211.
(¬2) في توجيه هذه القراءات انظر: حجة القراءات ص289، ابن جرير (13/ 13)، القرطبي (7/ 256)، البحر المحيط (4/ 355)، الدر المصون (5/ 401).

الصفحة 65