كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

أما على قراءة الجمهور فمعنى الآية الكريمة مشكل؛ لأن معنى {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ} فهذا معناه لم يتبادر إلى الذهن. وللعلماء في تفسير هذه الآية أجوبة معروفة عن هذا الإشكال، أقربها عندي واحد دلت عليه القرينة القرآنية، ولا ينبغي العدول عنه ومع أنه أصوب الأقوال فيما يظهر يَقِل مَنْ يَتَطَرّقه مِنَ العلماء، فأكثر أقوال المفسرين لا يذكرونه فيها، والظاهر أنه الصواب وإن قلَّ من يذكره منهم، وسنذكر الآن أقوال أهل العلم في الآية -على قراءة الجمهور- الكريمة: أن (على) بمعنى (الباء)، وقالوا: إن حروف الجر يخلف بعضها بعضًا، قالوا: و (الباء) تأتي بمعنى (على)، و (على) تأتي بمعنى (الباء). قالوا فمن إتيان الباء بمعنى (على): {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ} [الاعراف: الآيه 86] أي: على كل صراط، كما زعموا. ومن إتيان (على) بمعنى (الباء) قالوا: {حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ} أي: حقيق بأن لا أقول على الله إلا الحق، أي: حقيق أي: جدير وخليق بأن لا أقول على الله إلا الحق. وهذا التفسير تشهد له قراءة أُبيّ بن كعب رضي الله عنه {إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقُ بأَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} (¬1) قرأها أُبيّ هكذا، وهي وإن كانت قراءة شاذة فإنها تفيد بالنسبة إلى التفسير. ومما لا ينافي هذا قراءة بعض الصحابة غير أُبي: {إِنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ أَنْ لاَ أقُولَ علَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ}؛ لأن هذه تحتمل تقدير الباء أيضًا، فهذا قول.
القول الثاني: هو ما زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ من أن قوله: {حَقِيقٌ}
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 256)، البحر المحيط (4/ 356)، الدر المصون (5/ 405).

الصفحة 67