كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

واعلموا أن القلب يُطلق إطلاقين: يطلق في البديع، وهذا ليس من غرضنا؛ لأنه في فن البديع يسمى نوع منه القلب، وهو أن يكون الكلام إذا جئته من آخره قرأته كما جئته من أوله، فيكون الكلام يُقرأ معكوسًا كما يُقرأ مرتبًا (¬1)، كقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)} [المدثر: آية 3] وقوله: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ} [الأنبياء: آية 33] وقول الشاعر (¬2):
مَوَدَّتهُ تدُومُ لكلِّ هولٍ ... وَهَل كُلّ مودتُه تدومُ

فالآيتان والبيت تقرؤهما بالانعكاس كما تقرؤهما بالاطراد، وهذا ليس من غرضنا.
النوع الثاني: القلب الذي يُذكر في المعاني، وهو القلب الذي يكون فيه قلب الفاعل مفعولاً مثلاً، وهذا أسلوب عربي معروف إذا دل المقام عليه، وهو موجود في كلام العرب وفي القرآن العظيم، ومن أمثلته في القرآن العظيم: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} [القصص: آية 76] فالآية تقول: إن المفاتح تنوء بالعصبة، والمقصود القلب العربي؛ لأن العصبة من الرجال هي التي تنوء بالمفاتح، أي: تنهض بها بمشقة وجهد كما هو واضح، قال بعضهم: ومنه في القرآن: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنبَاء} [القصص: آية 66] قالوا: يعني: فعموا عن الأنباء؛ لأن الإنسان هو الذي يعمى والأنباء لا تعمى، في أمثلة قرآنية. وهذا المعنى [16/ب] /إن دلت عليه القرائن، كثير في كلام العرب، ومنه قول كعب بن زهير (¬3):
¬_________
(¬1) انظر: التلخيص للقزويني ص404.
(¬2) البيت في المصدر السابق ص404.
(¬3) هذا هو الشطر الثاني من البيت، وشطره الأول هو قوله:
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت ... ...........................

شرح قصيدة بانت سعاد للتبريزي ص27.

الصفحة 69