كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وبَلَدٍ مُغبرةٍ أرجاؤهُ ... كأَنَّ لونَ أرضِهِ سَمَاؤُه

والذين قالوا: في الآية قلب قالوا: المعنى: حقيق على أن لا أقول على الله، كأنه جعل نفسه حقيق على أن لا يقول على الله إلا الحق. والمراد: قلب الكلام. أي: يجب عليه، حقيق عليه هو {أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} فكأنه جعله هو الحقيق على القول. والمقصود: أن القول هو الحقيق عليه أن لا يقوله إلا بالحق، وفي الكلام قلب كما ترى، وهذا لا يلزم، وأنكره كثير من علماء العربية.
والوجه الذي يظهر أنه أصوب الأوجه ولا ينبغي العدول عنه وإن قلّ من تنبه إليه من علماء التفسير: هو إن معنى الآية الكريمة: {إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ} [الأعراف: الآيتان 104، 105] وأما قوله: {عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ} تتعلق بمعنى الرسالة المشار إليها في الرسول، أي: أُرسلت مشترطًا علي، أُرسلت {عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} أي: أرسلني ربي على شرط ووتيرة معينة، وهي أن لا أقول عليه إلا الحق.
وقال بعض العلماء: {عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ} تتعلق بقوله: {رَسُولٌ} {إِنِّي رَسُولٌ} أي: رسول {عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}.
وبعضهم يقول: هذا لا يجوز. والنحويون من البصريين يقولون: إن العامل إذا أخذ نعته -نُعت ووُصف- لا يعمل بعد ذلك. وعلى هذا لا يجوز إعمال (رسول) في قوله: {عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ} لأنه نُعت بقوله: {حَقِيقٌ} ولكن الأصوب في هذا أن يُقدّر عامل من جنس الرسول، فيكون المعنى: إني رسول حقيق من رب العالمين

الصفحة 71