كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وهي المعجزة كما ترى هنا. {فَأْتِ بِهَا} يعني: ائتنا بها وبَيِّن لنا إن كنت من الصادقين {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} جزاء الشرط فيه محذوف دل عليه ما قبله، أي: {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} فأت بها. عند البصريين، ولا مانع عند الكوفيين من تقدم جزاء الشرط عليه فيكون قوله: {فَأْتِ بِهَا} جواب شرط {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} وهذا عند الكوفيين لا مانع منه.
( ... ) (¬1) تجيب بها إلا كلامًا لا نفي فيه، لا تكاد تجد (نعم) في كلام العرب إلا جوابًا لكلام إثبات لا نفي فيه؛ لأن الكلام إذا كان فيه نفي كان جوابه بـ (بلى) لا بـ (نعم). فلو قلت لك: هل جاء زيد؟ أعندك ذا؟ تقول: نعم. ولو قلت لك: ألم يأت كذا؟ تقول لي: بلى ولا تقول: نعم. وإذا سُمع عن العرب إتيان (نعم) في كلام فيه نفي فإنه يُحفظ ولا يُقاس عليه؛ لأنه لا ينقاس، ولكنه سماع يُحفظ ولا يقاس عليه، وقد سُمع عن العرب إتيان (نعم) جوابًا لسؤال مقترن بنفي. فالمحل إذْ ذاك بـ (بلى) لا بـ (نعم)، إلا أنهم جاءوا بـ (نعم) سماعًا، ومنه قول الشاعر (¬2):
أَلَيْسَ الليلُ يجمعُ أُمَّ عمروٍ ... وإيَّانَا فذاك بنا تَداني ...
نَعَم وتَرى الهِلالَ كما أراهُ ... ويعلُوها النهارُ كما عَلاني
فالمحل هنا لـ (بلى) لا لـ (نعم)، ولكنه جاء بـ (نعم) هنا، وقد نص علماء العربية أنها لو سمعت عن العرب في مثل هذا حُفظ
¬_________
(¬1) في هذا الموضع انقطع التسجيل، والكلام الآتي متعلق بالآية رقم (114)، وهي قوله تعالى: {قَالَ نَعَمْ وَإنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) .... }.
(¬2) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (44) من سورة الأعراف.

الصفحة 74