كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

يركب بعضها بعضًا، وخاف الخلق جميعًا خوفًا عظيمًا. وذكر الله في سورة طه أن موسى داخله بعض الخوف كما يأتي في قوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)} [طه: آية 67] حيث قال: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67)} [طه: الآيات 65 - 67] وهذا الترتيب بالفاء لأن نبي الله موسى أوجس في نفسه الخيفة من عِظَم سحرهم كما قال هنا: {وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: آية 116].
وبعض المفسرين يقولون: لم يخف نبي الله من سحرهم، وإنما خاف أن يتفارق الناس ويهربوا قبل أن يُقيم حجته أمامهم. هكذا قاله بعضهم والله أعلم، هذا معنى قوله: {قَالَ أَلْقُوْاْ}.
وهذه الآية فيها سؤال معروف، وهو أن يُقال: إن نبي الله موسى بن عمران (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) رسول كريم، والرسول لا يأمر بمنكر، وقوله لهؤلاء السحرة: {أَلْقُوْا} أمر بمنكر؛ لأنه أمرهم بأشد المنكر، وهو الإتيان بالأسحار تُعارض بها معجزات الله التي أيَّد بها رسله؟
والجواب عن هذا معروف (¬1): وهو أن نبي الله موسى (صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم) لا يريد أمرهم بإلقاء الحبال والعصي سحرًا خبيثًا تُعارض به آيات الله، وإنما مراده إبطاله؛ لأنه في ذلك الوقت لا طريق إلى إبطاله إلا هذا، وهي أن يبرزوه ثم تأتي آية الله ومعجزة الله التي هي هذه العصا فتبتلع جميع ذلك وتترك
¬_________
(¬1) انظر: القرطبي (7/ 259).

الصفحة 78