كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الميدان خواء ليس فيه شيء، ولما كان هذا هو الطريق الوحيد للحق اضطُر إليه (صلوات الله وسلامه عليه)، وهذا معنى قوله: {قَالَ أَلْقُوْا}.
وفي الكلام حذف دل المقام عليه، أي: ألقُوا حبالكم وعصيكم فألقَوا، فلما ألقَوا حبالهم وعصيهم {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ} دل قوله: {أَعْيُنَ النَّاسِ} على أن سحرهم من جنس الشعبذات؛ لأنهم جاءوا بسحر أخذ بعيون الناس حتى صارت ترى تخييلات ليست بحقيقية، وترى العصي والحبال تظنها حيات - ثعابين - من أضخم الحيات، بالمئات والآلاف مكدّسة كالجبال، يركب بعضها بعضًا، حتى خاف الخلق منها خوفًا شديدًا، فقوله هنا: {أَعْيُنَ النَّاسِ} يدل على أنه تخييل بالنسبة للعين لا حقيقة. وقد صرح بذلك في طه بقوله: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: آية 66] وزعم بعض المفسرين أن الزئبق كان متوفرًا عندهم، وأنهم ملؤوا داخل العصي والحبال من الزئبق وطرحوها حتى تأثر الزئبق بحرّ الشمس فلما تأثر الزئبق تحركت العُصي والحبال صار بعضها يلتوي على بعض ويركب بعضها بعضًا!! هكذا يقول بعضهم (¬1). ويظهر أنه سحر أخذوا به عيون الناس حتى صار يَتَراءى لهم هذا من الحيات العظام الكبار الضخام يركب بعضها بعضًا. وهذا معنى قوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ}. {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} قد تقرر في فن العربية أن تأتي (اسْتَفْعَل) مزيدة بهمزة الوصل والسين والتاء بمعنى (أفْعَل) وهو موجود في القرآن وفي كلام العرب، ومن أمثلته في القرآن: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ
¬_________
(¬1) انظر: المصدر السابق (7/ 259).

الصفحة 79