كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

رَبُّهُمْ} [آل عمران: آية 195] يعني: أجاب، ومما يدل عليه من كلام العرب قول سعد بن كعب الغنوي (¬1):
وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى الندى ... فلَم يَسْتجبه عند ذَاكَ مُجيبُ

فإنه جاء بـ (مجيب) التي هي اسم فاعل (أجاب) جاء بها فاعلاً لـ (استجاب)، فدل على أنه أطلق (استجاب) وأراد (أجاب) كما هو واضح.
معنى: {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أرهبوهم. والرهب: الخوف. يعني: خوفوا الناس خوفًا شديدًا. قال بعض العلماء: استرهبوهم: استدعوا رهبتهم وخوفهم بهذا السحر العظيم.
وفي هذه الآية من سورة الأعراف سؤال معروف: وهو أن يُقال: دلت آية الأعراف هذه على أن سحر سحرة فرعون من نوع الشعبذات والأخذ بالعيون حتى يتراءى للإنسان غير الواقع في الحقيقة؛ لأنه قال: {أَعْيُنَ النَّاسِ} وصرح بما يدل على ذلك في قوله في طه: {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: آية 66] وهاتان الآيتان - آية طه وآية الأعراف - كلتاهما تدل على أن سحر سحرة فرعون من نوع الخيالات والشعبذات، ومع هذا وصفه الله بالعِظَم في قوله: {بِسِحْرٍ عَظِيم} هذا هو وجه السؤال؟
وللعلماء عنه جواب (¬2): وهو أنه في الحقيقة تخييل وأخذ بالعيون حتى صار يَتَراءَى لها غير الواقع، وإنما وصفه بالعِظَم قالوا: لكثرة العصي والحبال وضخامتها. فهذا التخييل وإن كان تخييلاً خيل
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (36) من سورة الأنعام.
(¬2) انظر: القرطبي (7/ 259).

الصفحة 80