كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

للناس هذا العدد الضخم الكبير من هذه الحيات العظام الكبار كأنها جبال يركب بعضها بعضًا، فصار بهذا المنظر الهائل مع التخييل وكثرته كأنه عظيم، وصار في نفس الأمر أخذًا بالعيون وتخييلاً، وفي هذا يزول الإشكال بين الآيات، وهذا معنى قوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أي: أخافوهم. والرهب: الخوف. أرهبه: أخافه. والإرهاب: التخويف {وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أرهبوهم، أي: أخافوهم. فجاءوا بسحر عظيم؛ لكثرة تلك الحبال والعصي وضخامتها وكبرها، وكون بعضها يركب بعضًا حتى امتلأ الوادي بالحيات العظام والأفاعي، حتى خاف جميع الناس، وهذا معنى قوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: آية 116].
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ (119)} [الأعراف: الآيات 117 - 119].
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}.
في هذا الحرف ثلاث قراءات سبعيات (¬1): قرأه جمهور القراء غير حفص عن عاصم والبزي عن ابن كثير: {فإذا هي تَلَقَّفُ ما يأفكون} وقرأه البزي وحده عن ابن كثير: {فإذا هي تَّلَقَّفُ ما يأفكون} بتشديد التاء بإدغام إحدى التاءين في الأخرى؛ لأن أصله: (تتلقف) وقرأه حفص عن عاصم: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} مضارع لقِفه بكسر القاف يلقَفه بفتحها. فَتَحَصَّل أن قراءة الجمهور:
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص213، حجة القراءات ص292.

الصفحة 81