كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

{تَلَقَّف ما يأفكون} [الاعراف: آيه 117] وهو مضارع (تَلَقَّفَه يَتَلَقَّفه) إذا ابتلعه بسرعة هائلة. والمعنى: كل من التقم شيئًا بسرعة تقول العرب: «تَلَقَّفَه ولَقِفَه». فقراءة الجمهور حُذف فيها إحدى التاءين، أصلها: فإذا هي تتلقف ما يأفكون، أي: تبتلعه وتلتقمه بسرعة، وعلى قراءة البزي فأصله: فإذا هي تَّلَقَّف ما يأفكون. في الصلة خاصة، فهي واضحة؛ لأن (تفعّل) و (تفاعل) يجوز فيها الإدغام. واستجلاب همزة الوصل، وهو كثير، كاطّيرنا بمعنى: تطير، وازيّنت بمعنى: تزين، وادّارك بمعنى: تدارك، وهو كثير، ومن أمثلته في الماضي في كلام العرب قول الشاعر (¬1):
تُولي الضجيعَ إذا ما الْتَذَّهَا خَصِرًا ... عَذْبَ المَذَاقِ إذا ما اتَّابَعَ القُبَلُ

يعني: تتابع القُبل. وهذا لا إشكال فيه.
أما على قراءة حفص عن عاصم: {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} فهو مضارع لقفه يلقفه إذا ابتلعه بسرعة. فمعنى القراءتين واحد.
ومعنى: {مَا يَأْفِكُونَ} [الأعراف: آية 117] يأفكون: مضارع أفكه يأفكه بالكسر، وأصل المادة الهمز والفاء والكاف (أَفَكَ) معناه: قَلْبُ الشيء وصرفه، فالأَفْك قلب الشيء وصرفه؛ ولذا سُمي الكذب إفكًا لأنه قلب للكلام وصرف له عن حقيقته الواقعة إلى الكذب والباطل، ومن أجل هذا سُميت قرى قوم لوط: (المؤتفكات)، سمَّاها الله: (المؤتفكات) وسماها: (المؤتفكة) في قوله: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)} [النجم: آية 53] وإنما سماها: (مؤتفكة) لأن جبريل عليه السلام أَفَكَها بإذن الله. أي: قلبها، ومعنى
¬_________
(¬1) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (72) من سورة البقرة.

الصفحة 82