كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

أَفْكِهِ لها هو قلبها وجعل عاليها سافلها كما صرح الله به في قوله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر: آية 74] وما جُعل عاليه سافله فقد أُفك، أي: قُلب حتى صار أعلاه أسفله. هذا أصل الإفك (¬1). ومعنى: (يأفكون) يختلقون ويكذبون ويفترون من أن هذه العصي والحبال أنها حيات حقيقية مثل العصا التي عند موسى. سماه إفكًا لأنه قلب [لحقيقة الأمر] (¬2) وصرف له عن حقيقته الصحيحة إلى الكذب والافتراء.
ومعنى الآية الكريمة: أن سحرة فرعون لما جاءوا بذلك السحر العظيم أوحى الله إلى نبيّه موسى أن يلقي عصاه؛ ولذا قال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} وصيغة الجمع للتعظيم؛ يعني: فألقى عصاه بأمر من الله {فَإِذَا هِيَ} فاجأ ذلك من العصا، إذا هي {تَلْقَفُ} أي: تبتلع جميع ما يأفكون. فلما ألقاها موسى من يده، وانقلبت إلى ذلك الثعبان العظيم، وجاءت بسرعة وقوة هائلة وعناد هائل، قال ابن زيد: كانت مناظرة موسى وسحرة فرعون في الإسكندرية من مصر، وكان ذَنَبُ العصا لما انقلبت حية وراء البحر كما يزعمون، والله أعلم.
وعلى كل حال فقد صرّح الله بأنها ابتلعت جميع ما في الميدان من الحبال والعصي. يقولون: انقلبت إلى ذلك الثعبان العظيم، وجاءت تبتلع ذلك الموجود حبلاً حبلاً، عصًا عصًا، تلتقم ذلك وتبتلعه ولا يظهر في ضخم جثتها ولا يزيد فيها حتى تركت الميدان
¬_________
(¬1) مضى عند تفسير الآية (80) من سورة الأعراف.
(¬2) في هذا الموضع كلام غير واضح، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.

الصفحة 83