كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ومن هنا تعلم أنه قد يكون الشيء الخسيس الحقير وفيه بعض النفع كما قالوا:
( .... ) (¬1) لأن علم السحر -قبَّحه الله- من أخسّ العلوم وأقبحها، وقد صرح الله (جل وعلا) في المحكم المنزل في سورة البقرة أن تعلمه يضر ولا ينفع، فهو ضرر محض لا نفع فيه كما قال تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} ولكن الله قد نفع هؤلاء القوم بهذا العلم الخسيس الخبيث، فتبين أن قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} [البقرة: آية 102] من جميع الحيثيات غير هذه الحيثية وهو انتفاعهم به أنهم كانوا عالمين بالسحر عارفين بحدوده التي ينتهي إليها، فلما جاءت العصا والتقمت جميع الحبال والعصي ولم يجدوا حبلاً ولا عصا عرفوا أن هذا من الله؛ لأنهم يعرفون السحر ويعرفون مدى تأثيره، فمعرفتهم بالسحر كانت نفعًا لهم بأن عرفوا أن العصا ليست من جنس السحر، فلو كانوا جاهلين بالسحر لظنوا أن عصا موسى من جنس السحر والشعوذة، وهم لما عرفوا السحر تمامًا عرفوا أن البرهان خارج عن طور السحر، وأنه لا يدخل فيه، وأنه أمر إلهي؛ ولذا ذُكر عنهم أنهم قالوا: لو كانت العصا من جنس السحر لوجدنا حبالنا وعصينا، فما انعدمت حبالنا وعصينا من أصلها إلا ببرهان من السماء. قيل: وقد قالوا لفرعون: إن كان هذا من سحر أهل الأرض فثق بأنا نغلبه، والذي لا طاقة لنا به هو شيء يأتي من السماء، فإن كان عنده شيء يأتي من السماء فلا طاقة لنا به، فلما كان من أمر العصا ما كان علموا أنه من السماء وأنه مِنْ أَمْرِ اللهِ فآمنوا هذا الإيمان العظيم؛ ولذا قال الله عنهم:
¬_________
(¬1) في هذا الموضع كلام غير واضح.

الصفحة 85