كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

يحققهما كما هو معروف في محله: {ءَامَنتُم بِهِ} أي: أآمنتم به أيها السحرة؟ آمنتم بموسى قبل أن آذن لكم في ذلك؟ {إِنَّ هَذَا} الذي تواطأتم أنتم وهو عليه {لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ} [الأعراف: آية 123] لحيلة احتلتموها وتوافقتم عليها وتواطأتم عليها لتخرجوا أهل البلد من بلادهم -وهم القبط- وتُسكنوا في أرضهم بني إسرائيل، وتتفقوا معهم على ذلك!! وهذا فعله فرعون مكرًا منه وخداعًا، وخوفًا منه أن تتبع الناس السحرة فيؤمنوا بموسى!! [فادعى] (¬1) أن موسى والسحرة تواطئوا على مكر خبيث يريدون ظلم أهل البلد وإخراجهم من بلدهم وإسكان غيرهم فيه -قبّحه الله- وهذا معنى قوله: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ} يعني: إيمانكم أنتم بموسى وسجودكم لربه وموافقتكم له {مَكْرَ} أي: حيلة احتلتم أنتم وإياه بها، احتلتم بها على أهل البلد لتخرجوهم من بلادهم، وهذا معنى قوله: {لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ} بعضهم يقول: المدينة التي وقع فيها: الإسكندرية. والله تعالى أعلم.
{لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا} لأجل أن تخرجوا منها أهلها باتفاقكم عليهم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: فسوف تعلمون ما أُنكلكم به من التعذيب على مكركم وموافقتكم مع موسى [17/أ] على المكر، وإخراج أهل الأرض منها. ثم بين ما يعدهم به/ فقال: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ} [الأعراف: آية 124] الأيدي: جمع يد، ووزنه (أَفْعُل) والأرجل كذلك وزنه (أَفْعُل) ومعلوم أن (أَفْعُل) من جموع القلة، إلا أن المقرر في الأصول وفي علوم العربية: أن جموع القلة لا تكون جموع قلة إلا إذا كانت مُنكَّرة خاصة، أما إذا أُضيفت إلى معارف فهي صيغ عموم، وهي إذًا من جموع الكثرة.
¬_________
(¬1) في الأصل: فجعل.

الصفحة 89