كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

ومعنى قوله: {مِّنْ خِلاَفٍ} أي: من جهتين مختلفتين بأن يقطع اليد اليمنى من شِق فيضعف ذلك الشِّق باليد [ويقطع] (¬1) الرجل اليسرى من الشق الآخر فيكون كل من الشّقين قد ضعف.
{ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} لم يبيّن هنا في الأعراف ولا في الشعراء ماذا الذي يصلبهم عليه، وقد بيّن في سورة طه أنه يصلبهم في جذوع النخل (¬2) كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: آية 7] وجذع النخل هو أخشن جذع من جذوع الشجر خلقه الله -جل وعلا- وأصعب على المصلوب الصلب عليه. وعلماء البلاغة يقولون: إن قوله: {وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: آية 71] فيه ما يسمونه (استعارة تبعية) في معنى مُتَعَلَّق الحرف (¬3). والأظهر أنه أسلوب عربي معروف، فالعرب تقول: صلبه على الجذع، وصلبه فيه، وهو معنى معروف في كلام العرب، ومن قولهم: «صلبه في الجذع» قول الشاعر (¬4):
همو صلبوا العَبْديَّ في جِذْعِ نخْلةٍ ... فلا عطستْ شيبانُ إلا بأَجْدَعَا

وهذا معنى قوله: {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: آية 124] لأصلبنكم في جذوع النخل أجمعين.
وهذا يدل على أن أولياء الله يُمتحنون دائمًا في الله، فخير ما تكون به المحنة: المحنة في الله، فعلى المسلم إذا بُلي في دينه
¬_________
(¬1) في الأصل: «ويضعف». وهو سبق لسان.
(¬2) انظر: الأضواء (2/ 330).
(¬3) انظر: جواهر البلاغة ص248.
(¬4) البيت في اللسان (مادة: فيا) (2/ 1158).

الصفحة 90