كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

وامتُحِنَ في اللهِ أنْ يَصْبِرَ ويصمد، ويعرف أن هؤلاء السحرة وُعِدُوا بِقَطْعِ أيديهم وأرجلهم، والصلب على جذوع النخل، ومع هذا همْ صَامِدُون صابرون لا يلتفتون إلى فرعون، بل يقولون له: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: آية 72] فالله قصّ علينا خبر هؤلاء لنعتبر بهم كما قال: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف: آية 111] فإذا جاءتنا أذيّة وبلايا في ديننا فعلينا أن نصبر على المحن بالغة ما بلغت، ولا نتلاشى ولا نضعف، ولا نضيع ديننا؛ لأن خير ما يُبلى الإنسان فيه ويصمد ويصبر هو دينه.
{قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)} [الأعراف: الآيات 125 - 129].
{قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ (125)} هذا جواب السحرة لفرعون لما آمنوا بالله إيمانًا عظيمًا، وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم، وقال لهم فرعون إنهم هم وموسى تواطئوا واتفقوا على إخراج أهل قريتهم من مدينتهم مكرًا منهم، وتواطئوا على الظلم، ووعدهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وصلبهم في جذوع النخل، لمّا توعدهم فرعون هذا الوعيد الشديد، وعابهم هذا العيب المختلق أجابوه هذا الجواب

الصفحة 91