كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

الإيماني العظيم، وقالوا له كأنهم يقولون له: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} [طه: آية 72] وأوعد من العذاب ما أنت واعد فنحن لا نبالي بك ولا نرائي بك {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الأعراف: آية 125] راجعون إلى رب رحيم كريم عظيم الجزاء سنجد عنده من النعيم ما يُنسينا جميع مضار الدنيا وما فيها من البؤس، كأنهم برغبتهم فيما عند الله وعلمهم بما يجازيهم به الله من النعيم سقط من أعينهم عذاب الدنيا، وصاروا يعتقدونه كَلاَ شيء، وهذا هو الصحيح بالآية، وقد بيّنه الله في سورة الشعراء، وبيّنه بإيضاح: أنه لما ذكر في سورة الشعراء أن فرعون توعدهم هذا التوعد بالعذاب في قوله: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124)} [الأعراف: آية 124] أجابوه قائلين كما قصّ الله عنهم في سورة الشعراء: {قَالُوا لاَ ضَيْرَ} [الشعراء: آية 50] (لا ضير) الضير معناه: الضرر. قالوا: ضَارَّه يضيره ضيرًا، وضره يضره ضرًّا بمعنى واحد، كما قدمنا إيضاحه بشواهده في قوله: {لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شيئًا} على قراءة: {لا يَضِرْكُم كيدهم شيئًا} [آل عمران: آية 120] (¬1).
وقوله: {لَا ضَيْرَ} بناه مع (لا)، والنكرة المبنية مع (لا) تدل على أن (لا) هي التي لنفي الجنس، فكأنهم نفوا جنس الضرر في عذاب الدنيا واحتقروه وهان في أعينهم ورأوه لا شيء بالنظر إلى ما عند الله. ثم بينوا علّة انتفاء ذلك الضرر في أعينهم فقالوا: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} [الأعراف: آية 125] كما يوضح آية الأعراف هذه.
ثم قالوا موضحين: {إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ
¬_________
(¬1) انظر: المبسوط لابن مهران ص168.

الصفحة 92