كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

معناه: أذعنتُ وانقدتُ لمن أذعن له الريح والمزن والحجارة. هذا أصل معنى الإسلام في لغة العرب.
وهو في اصطلاح الشرع (¬1): الإذعان والانقياد التام من جهاته الثلاث، أعني: انقياد القلب بالاعتقاد والنيات، وإذعان اللسان بالإقرار، وإذعان الجوارح بالعمل. أي: توفَّنا منقادين لك ولطاعتك بقلوبنا وألسنتنا وجوارحنا حتى نلقاك وأنت راض عنا. وهذا معنى قوله: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف: آية 126].
{وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)} [الأعراف: آية 127].
لما وقع ما وقع وآمن السحرة لله حرّض أشرافُ جماعة فرعون حرضوا فرعون على موسى وقومه يريدون أن يقتلهم أو يُنكل بهم؛ ولذا قال الله عنهم: {وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ} أي: أشراف جماعة فرعون قالوا لفرعون: {أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ} (أتذر موسى) معناه: أتترك موسى وقومه الذين هم معه مؤمنون به وهم بنو إسرائيل، أتذرهم؛ أي: تتركهم لأجل أن يفسدوا في الأرض؟
وهذا الفعل الذي هو (تذر) لم يُسمع منه إلا مضارعه وأمره، تقول العرب: (ذر) بمعنى اترك. و (تذر) بمعنى: تترك. ولم يُسمع منه غير هذا (¬2). فلم يأت من كلامهم فعل ماض، ولا مصدر، ولا اسم فاعل، ولا اسم مفعول، فاسم فاعله: تارك. واسم مفعوله:
¬_________
(¬1) انظر: شرح الطحاوية ص488.
(¬2) مضى عند تفسير الآية (112) من سورة المائدة.

الصفحة 97