كتاب العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (اسم الجزء: 4)

متروك. وهكذا نطقت به العرب أمرًا ومضارعًا فقط. أي: أتترك موسى وقومه؟
واللام في قوله: {لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ} هذه لام التعليل المعروفة بلام كي، وأصلها تُشكل على طلبة العلم: كيف جاءت هذه اللام المُعَلِّلة بهذا الوضع؟ والجواب عن ذلك: أن الملأ من قوم فرعون زعموا أن مجرد تركه لهم هو علة لإفسادهم في الأرض؛ فجعلوا مجرد ترك فرعون لموسى وقومه، وعدم قتلهم أو التنكيل بهم جعلوه هو نفس علَّة الإفساد في الأرض، ولذا جاءوا بعد قولهم: {أَتَذَرُ} باللام في قوله: {لِيُفْسِدُواْ} [الأعراف: آية 127] كما يزعمون: (إن السَّفيه إذا لم يُنه مأمور) (¬1)؛ لأنك إن لم تنههم فتضرب على أيديهم فكأنك قد أمرتهم بالإفساد في الأرض!!
وقد قدمنا مرارًا أن الكفرة الفجرة يزعمون العمل بكتب الله واتباع رسله إفسادًا في الأرض. وقد أوضحنا ذلك فيما مضى. فمعنى إفسادهم في الأرض: أنهم يزعمون أنهم يؤمنون بموسى، ويكونون معه، ويكونون حربًا على القبط فيخرجوهم من بلاد مصر، هذا معنى إفسادهم في الأرض المزعوم.
{وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} نصب {وَيَذَرَكَ} عطفًا على {لِيُفْسِدُواْ} وقيل: إنه منصوب بـ (أن) بعد الواو؛ لأن الواو هي أخت الفاء، فبعد الاستفهام يُنصب بعدها المضارع بـ (أن) مضمرة، كما هو معروف، كقول الحطيئة (¬2):
¬_________
(¬1) انظر: جمهرة الأمثال للعسكري ص512، معجم الأمثال العربية (2/ 366).
(¬2) البيت في ديوانه ص 54، والقرطبي (1/ 275).

الصفحة 98