كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)

وسمعت القاضي أبا حامد يقول: ببغداد ثلاثة قضاة، أحدهم جدي الظاهر هزلي الباطن، والآخر هزلي الظاهر جدي الباطن، والثالث جدي الباطن والظاخر. فسئل عن هؤلاء الثلاثة فقال: أما ابن معروف فظاهره جد وباطنه هزل، وأما ابن قريعة فظاهره هزل وباطنه جد، وأما ابن أم شيبان فظاهره جد وباطنه جد.
وأنا أقول في هذا شيئاً وإن كان مسعفاً لبعض ما قاله هذا الرئيس، وتعقب كلام الرؤساء صعب، ولكن أين جسارة مثلي وإقدامه، وتحككه واعتزامه؟ اعلم أن هزل ابن معروف كان مغموراً بعلمه وادبه، وكان محتملاً لشكله وظرفه، وقد خلص فضله وخفي نقصه، فإذا لم يكن بد من النقص فلأن يكون مستوراً خير من أن يكون بارزاً لكل عين؛ وأما جد ابن قريعة في باطنه فما أغناه عن هزله في ظاهره لأنه وقف الممتعض منه المتباعد عنه، وصار ناصره وعاذره لا يجدان في تهوين شأنه إلا تمليحه واستظرافه؛ وأما ابن صالح على شرفه وبيته، وماله وجاهه، فما كان جده رافعاً له، ولا هزله واضعاً منه، وكان لا حلواً ولا مراً، ولا خلاً ولا خمراً، وكان مفضوحاً في ولايته، مرحوماً في عزله، وذلك أ، هـ كان لا يقارب العامة ولا يداري الخاصة، ومقاربه العامة إنما هي بلين اللفظ وخفض الجناح وسكون الطائر، وكان أخف من خشاشة، وأطيش من فراشة؛ ومداراة الخاصة إنما تكون ببسط اليد ورفع الحجاب وبذل العطاء ونصرة الائذ ومسالمة المداهن، وكان والله جعد الكف كز الطباع سيء اللفظ، قد أفسده شرفه، وأطغاه يساره، فهو لا يعقل إلا الجمع، ولا يعرف

الصفحة 101