كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)
قيل لابن شبرمة، وكان من أهل الكوفة: أنتم أروى للحديث ام أهل البصرة؟ فقالك نحن أروى لأحاديث القضاء، وهم أروى لأحاديث البكاء.
أقام رجل بباب بلال بن أبي بردة شهراً لا يصل إليه، فكتب إليه رقعة وتلطف حتى ولصلت، فقرأها بلال وتبسم، فقيل له في ذلك فقال: ما أرفق كاتبها، قيل: ما كتب؟ قال: كتب: حسن الآمال وثناء الرجال وقفاني عليك، والصبر مع العدم لون من ألوان الخرق والحرمان، ومنتجع الكرام مراح الأحرار، فإما عطاء جزيل، أو رد جميل؛ فوجه إليه بعشرة آلاف درهم.
قد سمعت هذه الحكاية على غير هذا الوجه تحكى لبعض من اجتدى، وطرق الرواية مختلفة، والكذب كثير، والتزيد واسع، فكان أبو مخلد يقول: لا تصدق بقول المحدثين: فلان أعطى فلاناً عشرين ألف درهم، وفلان وصل ندمانه في ليلة بمائة ألف درهم، وفلان فعل، وفلان صنع، ويقول: هذه من أكاذيب الوراقين، وليس لما يحكى عن البرامكة حقيقة، وإنما يختلق هذه الألفاظ والمعاني ناس ختلوا قوماص عن دينارهم ودرهمهم، وإلا فلم لا نرى في عصرنا مثل هذا؟ أترى الناس مسخوا؟ فقيل له: لولا أن في عصرنا من يعطي أكثر من هذا ما كنت أنت في هذه النعمة الضخمة، والحال الفخمة، والبال الرخي، والعيش الهني، من غير كتابة بارعة، ولا أدب بارز، ولا نسب شريف، ولا شجاعة ظاهرة، ولا رأي
الصفحة 111
247