كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)

وقال ابن أبي طاهر: وكنت عند علي بن عبيدة يوماً، فورد عليه كتاب أم محمد ابنة المأمون، وكتب جواب الكتابثم أعطاني القرطاس فقال: اقطعه، فقلت: وما لك لا تقطعه أنت؟ قال: ما قطعت شيئاً قط.
علي بن عبيدة هذا هو صاحب كتاب المصون ويقال: كان بصرياً ويعرف باللطفي، ولست أعرف كنه مذهبه وحقيقة شأنه لكنه يقال: إنه أقلع في شيخوخته عن عادته في شبيبته، وسلك طريق الزهاد، وكلامه في المصون كلام يدل على عقل رزين وأدب ظاهر، وليس فيه من العلم إلا قليل، وأهل خراسان يعجبون بهذا الكتاب جداً، حتى بلغني أن بعض الدهرية من الرؤساء وأصحاب السيف قال مرة لقوم: مصونكم خير من قرآنكم. وهذا جهل بالله العظيم، وجرأة على حلمه الكريم " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة " فاطر: 45.
وقال لي بعض مشايخ خراسان: إن هذا القول إنما قاله بعض الأعراب بباديتنا فشاع على وجه الأستبشاع، وزعم أن بخراسان بادية كبيرة وأعراباً مجتمعة، فسألته عن اللغة والهيئة فقال: قد دخلهم النقص من كل شيء ووجهه فصاروا بيضاً وشقراً بعد أن كانوا سوداً وسمراً، وصاروا ضخاماً عظاماً بعد أن كانوا نحافاً شختاً، فأما اللغة فباقية عليهم لم ينتقلوا عنها إلى الفارسية، لكنها فاسدة بينهم زائدة الفساد على لغة البادية، بادية طريق مكة؛ فهذا مما حدثني هذا الشيخ، وكان شديد التحصيل، من أولئك الناس بذلك الماء والشق.

الصفحة 151