كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)

أنشد: الكامل
إن الرجال إذا اختبرت طباعهم ... ألفيتهم شتى على الأخبار
لا تعجلن إلى شريعة مورد ... حتى تبين خطة الإصدار
قال بعض الزهاد: قد أعياني أن أنزل على رجل يعلم أني لست آكل من رزقه شيئاً.
كان الحكم بن المطلب من أبر الناس بأبيه، وكان أبوه يحب ابنه حارثاً حباً مفرطاً، وكان بالمدينة جارية مشهورة بالجمال، فاشتراها الحكم بمال جليل، فقال له أهلها: دعها عندنا حتى نصلح من أمرنا ونزفها إليك، فتركها حتى يجهزوها ويزفوها، وتهيأ الحكم بأجمل ثيابه وتطيب وأنطلق إلى أبيه ليراه، فدخل عليه وعنده ابنه الحارث، فلما رآه أبوه أقبل عليه فقال: إن لي إليك حاجة، قال: يا أبة، إنما أنا عبدك فمرني بما أحببت، قال: هب لي هذه الجارية للحارث أخيك، وأعطه ثيابك هذه التي عليك، ودعه يدخل عليها فإني لا أشك أن نفسه تاقت إليها، فقال الحارث: لم تكدر على أخي لذته، وتفسد علي قلبه؟ وذهب ليحلف، فبدر الحكم فقال: هي حرة لوجه الله تعالى إن لم تفعل ما أمرك أبي، فإن طاعتي له أسر إلي من الجارية، وخلع ثيابه وألبسه إياها وأنفذها إليه، ثم إن الحكم تخلى من الدنيا ولزم الثغور حتى مات بمنبج.

الصفحة 203