كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)

المروزي الفقيه هذا فقال: ينبغي أن تكون لحيته جرجرى لأنها تتجرجر من ذقنه، فضحك من نادرته. وكان قليل الهزل كثير الصمت على ناموس المشايخ؛ وسمعت ابن المرزبان يقول: لم أر أشد نفاقاً منه، فرغب في مال حصل عندي في سبيل من السبل، فانتقض معنى الوصية بعد وفاة الموصي، ولم يكن إنفاذ ذلك المنصوص على الوجه المخصوص إليه، فقال لي بعد كلام كثير: إن ضقت به ذرعاً فسق المال إلي حتى أتولاه عنك، وخلاك إثم من الله، فراعني ذلك وخرجت من عنده ولم أعد إليه؛ هكذا قال المرزباني، وكان عالماً ثقة، عاشرته وأطلعت على سره فما أنكرت شيئاً، وما أدري ما أقول بعد.
وأما ابن سيار فإنه حدثنا أنه ورد الأهواز على القاضي التنوخي بمرقعة، وأنه أنزله وبره، وكان أبو بكر لا يظهر عليه من إحسان التنوخي شيء، ويشكو مع ذلك ويستزيد؛ قال: فلما كثر ذلك قال له التنوخي: ما قصة هذا المروزي، أما يكفيه ما يصير إليه من جهتنا؟ قال بعض حاضري المجلس: أيها القاضي، إن الرجل يتبع الصبيان، وشغفه فهو يحمله على تبذير ما ينال من جهة القاضي؛ قال: فكره ذلك وأقبل علي في الخلوة فقال: أتعرف هذا الغلام بشيء مما قرنه به فلان؟ قلت: أكره أن أهتك ستره، وأكره أن أكذبك، فقال: حسبك؛ وطرده من المجلس.
هذا قول ابن سيار، وقد قضى ببغداد، وكان نبيلاً جليلاً أديباً مفوهاً؛ وهذا أيضاً عجيب، وأصحابنا يقولون إنه بلغ من زهده في الدنيا أنه عرض عليه

الصفحة 228