كتاب البصائر والذخائر (اسم الجزء: 4)

قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله حتى كأنك لم تعصه.
ترى كيف يجتمع الرجاء والخوف في صدر واحد؟ هذا بعيد، متى رجا فقد استرسل، ومتى خاف فقد استجمع، ولكل واحدة من هاتين الحالين أحكام تستغرقها وتأتي عليها وتباعدها من الحال الأخرى، فكيف السبيل إلىتحصيل ما دل عليه هذا الفاضل؟ اللهم إلا أن يقول: تردد من هذه إلى هذه، ولا تستقر مع غحداهما، وهذا إن صح لم يكن له من الخوف نصيب ولا من الرجاء نصيب إلا بمقدار إلمالمه بهما؛ فأين الحيلة التي بها يبين وعليهما يظهر؟ وللزهاد كلام كثير يروع ظاهره ويضمحل مفتشه؛ وسألت بعض العماء عن هذا فقال: كأنه إذا لحظ الكرم رجا، وإذا لحظ العدل خاف، وهو فيما بين هذين الملحوظين مختبر الثبات على الطاعة، والإقلاع عن المعصية، وليس يجيء من هذا أن يكون خائفاً راجياً في حال، لأنه بخواطره ووساوسه في أفعاله وحركاته متطلع نحو شيء يرجوه، ونحو شيء يحذره، فإذا ما غلب أحدهما على سره سلس معه، وهو على ذلك محمود، لأن الخائف مصيره إلى ما يصير إليه الراجي، لأن الراجي يعمل في طلب ما يتمناه، والخائف يقلع عن مواقعه ما يخشاه والغاية واحدة. إذا أنعم النظر؛ وهذا جواب قريب. والحاجة إلى تحقيق الخوف من الله عز وجل والرجاء في الله تعالى أشد من الحاجة إلى معرفة هذا المشكل.
دعا أعرابي فقال: آثر تقواك على هواك، وأخراك على دنياك.

الصفحة 63