كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 4)

فِي الثُّلُث الْأَخير من تِلْكَ اللَّيْلَة ريح سوادء مَعهَا رعد وبرق أرعب الْقُلُوب. وَكَانَ من جملَة الأسرى عَجُوز من أهل حلب فِي أسر المنجنيقي ذَبحهَا عِنْد المنجنيق وَهِي تَقول: اللَّهُمَّ خُذ الْحق مِنْهُم فَقَامَ المنجنيقي يشرب الْخمر مَعَ أَهله بعد ذَبحهَا حَتَّى غلبهم السكر وغابوا عَن حسهم. فَسَقَطت الشمعة وأحرقت مَا حولهَا حَتَّى هبت الرّيح تطاير شرر مَا احْتَرَقَ من الْبَيْت حَتَّى اشتعل. بِمَا فِيهِ وتعلقت النيرَان مِمَّا حوله حَتَّى بلغت مَوضِع تكفور ففر بِنَفسِهِ. واستمرت النَّار مُدَّة اثْنَي عشر يَوْمًا فَاحْتَرَقَ أَكثر القلعة وَتلف المنجنيق كُله بالنَّار وَكَانَ هُوَ حصن سيس وَلم يعْمل مثله وَاحْتَرَقَ المنجنيقي وَأَوْلَاده السِّتَّة وَزَوجته واثني عشر رجلا من أَقَاربه. وَخَربَتْ سيس وَهدم سورها ومساكنها وَهلك كثير من أَهلهَا وَعجز تكفور عَن بنائها. وَفِيه نافقت العربان بِالْوَجْهِ القبلي والفيوم وَكَثُرت حروبهم وقطعهم الطرقات فَلم يُمكن خُرُوج الْعَسْكَر إِلَيْهِم فَأَنَّهُ كَانَ اوأن الْمغل خوفًا عَلَيْهِ. وَفِي مستهل ذِي الْقعدَة: قدم عَلَاء الدّين الْحَرَّانِي من دمشق باستدعاء وخلع عَلَيْهِ بِنَظَر الشَّام. وَفِيه قدم الْخَبَر بِأَنَّهُ ثارث ريح زرقاء شَدِيدَة فِي بِلَاد برقة وأعقبها مطر عَظِيم جدا يَوْمًا كَامِلا. ثمَّ نزل برد قدر بيص الْحمام مجوف وَبَعضه مثقوب من وَسطه. وَتَمَادَى حَتَّى وصل إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة والبحيرة والغربية والمنوفية والشرقية وأفسد من الدّور والزروع شَيْئا كثيرا سِيمَا الفول فَأَنَّهُ تلف عَن آخِره وَنزلت صَاعِقَة فأحرقت نَخْلَة فِي دَار. وَقدم الْخَبَر أَن الْأَمِير أرغون الكاملي لعب بالكرة فِي ميدان غَزَّة وَتوجه بعد أَيَّام إِلَى الْقُدس. فَقدم عَلَيْهِ نَائِب الشَّام بتقدمته ثمَّ تواردت تقادم النواب من حلب إِلَى عزة ثمَّ خرج الْأَمِير أرغون الكاملي من الْقُدس فَكتب بِسُرْعَة قدومه فَلَمَّا وصل قطيا خرج السُّلْطَان إِلَى لِقَائِه بسرياقوس وَلعب مَعَه فِي الميدان بالكرة وَقد سر بقدومه ثمَّ سَار بِهِ السُّلْطَان إِلَى القلعة. وَفِيه خلع على الْأَمِير قبلاي وَاسْتقر فِي نِيَابَة الكرك عوضا عَن ملكتمر السرجواني لشدَّة مَرضه، وَكتب بإحضاره.

الصفحة 18