كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك (اسم الجزء: 4)
وَفِي مستهل ربيع الأول: قدم الْبَرِيد بانتشار الْجَرَاد بأعمل دمشق والبلقاء ورعيه زُرُوعهمْ وَقد أدْرك الشّجر وَأَنه عَم الْبَلَد حَتَّى وصل إِلَى الرمل وَقرب من الصالحية فَهَلَك الشّعْر عَن آخِره. وَفِيه تحسن سعر الْغلَّة حَتَّى أبيع الأردب الْقَمْح بِثَلَاثِينَ درهما. وَفِيه توجه السُّلْطَان إِلَى سرياقوس وأحضر عِنْده الأوباش فلعبوا باللبخة وَهِي عصى كبار حدث اللّعب فِي هَذِه الدولة وَقتل فِي اللّعب بهَا جمَاعَة. فلعبوا بهَا بَين يَدَيْهِ وَقتل رجل رَفِيقه فَخلع على بَعضهم وأنعم على كَبِيرهمْ بِخبْز فِي الْحلقَة وَاسْتمرّ السُّلْطَان بلعب الكرة فِي كل يَوْم وَأعْرض عَن تَدْبِير الْأُمُور. فتمردت المماليك وَأخذُوا حرم النَّاس وَقَطعُوا الطَّرِيق وفسدت عدَّة من الْجَوَارِي. وَكَثُرت الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك حَتَّى بلغ السُّلْطَان فَلم يعبأ بِهَذَا وَقَالَ: خلوا كل أحد يعْمل مَا يُرِيد. فَلَمَّا فحش الْأَمر قَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِيهِ مَعَ السُّلْطَان حَتَّى عَاد إِلَى القلعه وَقد تظاهر النَّاس بِكُل قَبِيح ونصبوا أخصاصا فِي جَزِيرَة بولاق والجزيرة الوسطانية الَّتِي سوها حليمة بلغ مَصْرُوف كل خص فِيهَا من أَلفَيْنِ إِلَى ثَلَاثَة آلَاف دِرْهَم. وَعمل كل خص بالرخام والدهان البديع وَزرع حوله المقائي والرياحين وَأقَام بهَا مُعظم النَّاس من الباعة وَالتِّجَارَة وَغَيرهم وكشفوا ستر الْحيَاء وبالغوا فِي التهتك. مِمَّا تهوى أنفسهم فِي حليمة وَفِي الطمية وتنافسوا فِي أرْضهَا حَتَّى كَانَت كل قَصَبَة قِيَاس تؤجر بِعشْرين درهما فَيبلغ الفدان الْوَاحِد مِنْهَا بِثمَانِيَة آلَاف دِرْهَم وَيعْمل فِيهَا ضَامِن يسْتَأْجر مِنْهَا الأخصاص. فأقاموا على ذَلِك سِتَّة أشهر حَتَّى زَاد المَاء وغرقت الجزيرة فَاجْتمع فِيهَا من البغايا والأحدا وأنواع المسكرات مَا لَا يُمكن حكايته وَأنْفق النَّاس بهَا أَمْوَالًا تخرج عَن الْحَد فِي الْكَثْرَة. وَكَانَت الْأُمَرَاء والأعيان تسير إِلَيْهَا لَيْلًا إِلَى أَن قَامَ الْأَمِير أرغون العلائي فِي أمرهَا قيَاما عَظِيما وأحرق الأخصاص على حِين غَفلَة وَضرب جمَاعَة وشهرهم فَتلف بهَا مَال عَظِيم جدا وَفِي هده الْأَيَّام: قل مَاء النّيل حَتَّى صَار مَا بَين المقياس ومصر يخاض وَصَارَ من بولاق إِلَى منشاة المهراني وَمن جَزِيرَة الْفِيل إِلَى بولاق وَمِنْهَا إِلَى الْمنية طَرِيقا وَاحِدًا. وَبعد على السقائين طَرِيق المَاء فأنهم صَارُوا يَأْخُذُونَ المَاء من قريب نَاحيَة منبابة
الصفحة 26
398