كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 4)

أبو سُفْيَانَ: أعْلُ هُبَلُ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أجيبُوهُ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا: الله أعْلَى وَأجَلُّ، قَالَ أبُو سُفْيَانَ: لَنا الْعُزَّى ولا عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: أجيبُوهُ، قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: قُولُوا الله مَوْلانا ولا مولى لَكُمْ، قَالَ أبو سُفْيَانَ: يَوْم بِيَوْمِ بَدْرٍ، والْحَرْبُ سِجالٌ، وتجِدُونَ مُثْلةً لَمْ آمُرْ بِهَا، وَلَمْ تَسُؤنِي".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعل هبل؟ أي زدت عزاً ورفعة وعلواً يا هبل بانتصارنا على محمد وأصحابه، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين أن يجيبوه بقولهم: الله أعلى وأجل. فأراد أبو سفيان أن يفاخر المسلمين ببعض أسماء آلهتهم، وأنهم ليس لهم مثلها " فقال: لنا العزى ولا عزى لكم " فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبوه بقولهم: " الله مولانا ولا مولى لكم "، أي الله ناصرنا ولا ناصر لكم. عند ذلك قال أبو سفيان يوم بيوم بدر، أي هذا اليوم مقابل يوم بدر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أصاب منهم يوم بدر سبعين قتيلاً وأصابوا من المسلمين يوم أحد سبعين شهيداً: فكانت هذه بهذه " والحرب سجال " أي نوب، نوبة لك ونوبة لنا، مرة تغلبنا، ومرة نغلبك فأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان على ذلك ولم يجبه، لأنه الحقيقة والواقع، ثم قال أبو سفيان: " وتجدون مثلة " بضم الميم وسكون الثاء أي وتجدون في قتلاكم بعض التمثيل بهم من جدع أنوفهم، وقطع آذانهم، قال: " لم آمر بها " أي لم آمر بهذه المثلة قبل وقوعها، " ولم تسؤني " بعد وقوعها.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه يجب على الجند طاعة القائد فيما يأمرهم به، لأن مخالفة أوامره من أعظم أسباب الهزيمة، فإن المسلمين لم ينهزموا في أحد إلاّ بسبب مخالفتهم كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، في قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا

الصفحة 338