كتاب منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري (اسم الجزء: 4)

عَلِيَّ بْنَ أبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْي يَسْتَشِيرهمَا في فِرَاقِ أهْلِهِ، فَأمَّا أسَامَة فَأشَارَ عَلَيْهِ بالَّذِي يَعْلَم في نَفْسِهِ مِنَ الْودِّ لَهمْ، فَقَالَ أسَامَة: أَهلُكَ يَا رَسولَ اللهِ ولا نَعْلَم وَاللهِ إِلَّا خَيْراً، وأمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يُضَيِّقِ الله "عَلَيْكَ، وَالنِّسَاء سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعَا رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بَرِيرَةَ فَقَالَ: يَا بَرِيرَة هَلْ رَأيْتِ فِيهَا شَيْئاً يرِيبُكِ؟ فَقَالَتْ بَرِيرَة: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ إِنْ رَأيْت
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من شدة ما أقاسيه من الهموم والأحزان، وكنت في حالة نفسية سيئة جداً لهول تلك الصدمة العنيفة التي فاجأتني. وفي رواية أخرى عن أم رومان، أن عائشة قالت لها: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: نعم، وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها، فما أفاقت إلاّ وعليها نافض أي مصحوبة برجفة ورعشة بدنية، وهو ما يسمى " النفاضة " " فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أيى طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي " أي عندما تأخر الوحي " يستشيرهما في فراق أهله " أي في طلاق عائشة " فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم " أي أما أسامة فتحدث عنهم بما يشعر به نفسياً من المودة لهم " فقال أهلك " أي فقال له: احفظ أهلك " ولا نعلم إلاّ خيراً " أي ولا نعلم عن سيرتها وسلوكها إلاّ الخير والصلاح، وأما علي فقال: يا رسول الله " لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير " وفي رواية قال له مسلياً له، مخففاً من همومه وأحزانه، قد أحل الله لك غيرها وأطاب، طلقها فانكح غيرها، قال ذلك لما رأى ما عنده - صلى الله عليه وسلم - من الغم والقلق " فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال: " يا بريرة هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟ " أي هل رأيت في سلوكها وتصرفاتها ما يبعث على الشك والريبة فيها؟ " فقالت: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت فيها أمراً أغمصه عليها "

الصفحة 37