كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)
ذكر الطبري من قصصها أنها خرجت فارّة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار كان يخدم معها المسجد وطول في ذلك فاختصرته لضعفه، وهذه القصة تقتضي أنها حملت واستمرت حاملا على عرف البشر واستحيت من ذلك ومرت بسببه وهي حامل وهو قول جمهور المتأولين، وروي عن ابن عباس أنه قال ليس إلا أن حملت فوضعت في ساعة واحدة والله أعلم. وظاهر قوله فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ يقتضي أنها كانت على عرف النساء، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر ولذلك قيل لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصية عيسى عليه السلام وقيل ولدته لسبعة وقيل لستة.
قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وابن عباس والحسن وزيد بن حبيش ومجاهد والجحدري وجماعة «فناداها من تحتها» على أن «من» فاعل ينادي والمراد ب «من» عيسى، قال أي ناداها المولود قاله مجاهد والحسن وابن جبير وأبي بن كعب، وقال ابن عباس المراد ب «من» جبريل ولم يتكلم حتى أتت به قومها وقاله علقمة والضحاك وقتادة، ففي هذا آية لها وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم لا سيما والمنادي عيسى فإنه يبين به عذر مريم ولا تبقى بها استرابة، فلذلك كان النداء أن لا يقع حزن، وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم والبراء بن عازب والضحاك وعمرو بن ميمون وأهل الكوفة وأهل المدينة وابن عباس أيضا والحسن «من تحتها» بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية واختلفوا، فقال بعضهم: المراد عيسى، وقالت فرقة: المراد جبريل المحاور لها قبل، قالوا: وكان في سعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها وأبين وأظهر، وعليه كان الحسن بن أبي الحسن يقسم وقرأ علقمة وزر بن حبيش «فخاطبها من تحتها» ، وقرأ ابن عباس «فناداها ملك من تحتها» . وقوله أَلَّا تَحْزَنِي تفسير النداء ف «أن» مفسرة بمعنى أي، و «السري» من الرجال العظيم الخصال السيد، و «السري» أيضا الجدول من الماء، وبحسب هذا اختلف الناس في هذه الآية فقال قتادة وابن زيد: أراد جعل تحتك عظيما من الرجال له شأن، وقال الجمهور أشار لها إلى الجدول الذي كان قرب جذع النخلة، وروي أن الحسن فسر الآية فقال أجل لقد جعله الله سَرِيًّا كريما، فقال عبيد بن عبد الرحمن الحميري يا أبا سعيد إنما يعني ب «السري» الجدول، وقال الحسن لهذه وأشباهها أحب قربك ولكن غلبنا عليك الأمراء ومن الشاهد في «السري» قول لبيد. [الكامل]
فتوسطا عرض السري فصدعا ... مسجورة متجاورا قلّامها
ثم أمر بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع، وقالت فرقة بل كانت النخلة مطعمة رُطَباً، وقال السدي كان الجذع مقطوعا وأجرى النهر تحتها لحينه، والظاهر من الآية أن عيسى
الصفحة 11
581