كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)

هو المكلم لها وأن الجذع كان يابسا وعلى هذا تكون آيات تسليها وتسكن إليها. والباء في قوله بِجِذْعِ زائدة مؤكدة قال أبو علي: كما يقال ألقى بيده أي ألقى يده.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا المثال عندي نظر، وأنشد الطبري: [الطويل]
بواد يمان ينبت السدر صدره ... وأسفله بالمزج والشبهان
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم والجمهور من الناس «تسّاقط» بفتح التاء وشد السين يريد النَّخْلَةِ، وقرأ البراء بن عازب والأعمش «يساقط» بالياء يريد «الجذع» ، وقرأ حمزة وحده «تساقط» بفتح التاء وتخفيف السين، وهي قراءة مسروق وابن وثاب وطلحة وأبي عمرو بخلاف، وقرأت فرقة «يساقط» بالياء على ما تقدم من إرادة النَّخْلَةِ أو «الجذع» . وقرأ عاصم في رواية حفص «تساقط» بضم التاء وتخفيف السين، وقرأت فرقة «يساقط» بالياء، وقرأ أبو حيوة «يسقط» بالياء، وروي عنه «يسقط» بضم الياء وقرأ أيضا «تسقط» ، وحكى أبو علي في الحجة أنه قرىء «يتساقط» بياء وتاء، وروي عن مسروق «تسقط» بضم التاء وكسر القاف، وكذلك عن أبي حيوة، وقرأ أبو حيوة أيضا «يسقط» بفتح الياء وضم القاف، «رطب جني» بالرفع، ونصب رُطَباً يختلف بحسب معاني القراءات المذكورة، فمرة يسند الفعل إلى الجذع ومرة إلى الهز، ومرة إلى النَّخْلَةِ وجَنِيًّا معناه قد طابت وصلحت للاجتناء، وهو من جنيت الثمرة. وقرأ طلحة بن سليمان «جنيا» بكسر الجيم، وقد استدل بعض الناس من شيء للنفساء خيراً من التمر والرطب، وقال محمد بن كعب: كان طب عجوة، وقد استدل بعض الناس من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوما فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه لأنه أمرت مريم بهز الجذع لترى آية، وكانت الآية تكون بأن لا تهز هي. وحكى الطبري عن ابن زيد أنه قال «قال لها عيسى: لا تحزني، فقالت وكيف لا أحزن وأنت معي لا ذات زوج ولا مملوكة أي شيء عذري عند الناس يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا [مريم: ٢٣] ، فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام» . وقوله فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي الآية، قرأ الجمهور «وقري» بفتح القاف، وحكى الطبري قراءة «وقري» بكسر القاف، وقرة العين مأخوذة من القر وذلك أنه يحكى أن دمع الفرح بارد المس ودمع الحزن سخن المس، وضعفت فرقة هذا وقالت: الدمع كله سخن وإنما معنى قرة العين أن البكاء الذي يسخن العين ارتفع إذ لا حزن بهذا الأمر الذي قرت به العين. وقال الشيباني قَرِّي عَيْناً معناه نامي، حضها على الأكل والشرب والنوم.
وقوله عَيْناً نصب على التمييز، والفعل في الحقيقة إنما هو للعين فينقل ذلك إلى ذي العين وينصب الذي كان فاعلا في الحقيقة على التفسير، ومثله طبت نفسا وتفقأت شحما وتصببت عرقا، وهذا كثير. وقرأ الجمهور «ترين» وأصله ترءيين حذفت النون للجزم، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء، ثم قلبت الياء الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فاجتمع ساكنان الألف والياء، فحذفت الألف فجاء ترى وعلى هذا! النحو هو قول الأفوه: [السريع] أما ترى رأسي أزرى به ثم دخلت النون الثقيلة، فكسرت الياء لاجتماع ساكنين منها ومن النون، وإنما دخلت النون هنا

الصفحة 12