كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)

الذبيح غير إسحاق، ووصفه الله تعالى ب «صدق الوعد» لأنه كان مبالغا في ذلك، روي أنه وعد رجلا أن يلقاه في موضع فجاء إسماعيل وانتظر الرجل يومه وليلته فلما كان في اليوم الآخر جاء الرجل فقال له ما زلت هنا في انتظارك منذ أمس. وفي كتاب ابن سلام أنه انتظره سنة وهذا بعيد غير صحيح والأول أصح، وقد فعل مثله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، ذكره النقاش وخرجه الترمذي وغيره، وذلك في مبايعة وتجارة وقيل وصفه ب «صدق الوعد» لوفائه بنفسه في أمر الذبح إذ قال سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الكهف: ٦٩] وقال سفيان بن عيينة: أسوأ الكذب إخلاف الميعاد ورمي الأبرياء بالتهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «العدة دين فناهيك بفضيلة الصدق» في هذا وأَهْلَهُ، يريد بهم قومه وأمته، قاله الحسن، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «وكان يأمر قومه» . وقوله مَرْضِيًّا أصله مرضويا لقيت الواو وهي ساكنة الياء فأبدلت ياء وأدغمت ثم كسرت الضاد للتناسب في الحركات، وقرأ ابن أبي عبلة «وكان عند ربه مرضوا» .
قوله عز وجل:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧) أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨)
إِدْرِيسَ عليه السلام هو من أجداد نوح عليه السلام، وهو أول نبي بعث إلى أهل الأرض، فيما روي، من بعد آدم، وهو أول من خط بالقلم وكان خياطا، ووصفه الله ب «الصدق» والوجه أن يحمل ذلك على العموم في الأحاديث والأعمال. قال ابن مسعود هو الياس بعث إلى قومه بأن يقولوا لا إله إلا الله.
ويعملوا ما شاؤوا فأبوا فأهلكوا، والأشهر أنه لم يبعث بإهلاك أمة وإنما نبىء فقط واختلف الناس في قوله وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا.
فقال جماعة من العلماء هو رفع النبوءة والتشريف والمنزلة وهو في السماء كما سائر الأنبياء، وقالت فرقة: بل رفع إلى السماء، قال ابن عباس: كان ذلك بأمر الله كما رفع عيسى وهنالك مات، وقاله مجاهد إلا أنه قال: ولم يمت، وكذلك قال وهب وقال كعب الأحبار لابن عباس كان له خليل من الملائكة فحمله على جناحه وصعد به حتى بلغ السماء الرابعة فلقي هنالك ملك الموت فقال له إنه قيل لي اهبط إلى السماء الرابعة فاقبض فيها روح إِدْرِيسَ وإني لأعجب كيف يكون هذا، فقال له الملك الصاعد هذا إِدْرِيسَ معي فقبض روحه وروي أن هذا كله كان في السماء السادسة قاله ابن عباس، وكذلك هي رتبته في حديث الإسراء في بعض الروايات وحديث أنس بن مالك وأبي هريرة في الإسراء يقتضي أنه في السماء الرابعة. وقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الإشارة ب أُولئِكَ إلى من تقدم ذكره، وقوله مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ يريد إِدْرِيسَ ونوحا وممن حمل مع نوح إبراهيم عليه السلام، وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وإسماعيل وإسحاق ويعقوب، ومن ذرية إِسْرائِيلَ موسى وهارون وزكرياء ويحيى ومريم. وقوله.

الصفحة 21