كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)

وبه فسر ابن زيد هذه الآية، وقد يكون «الغي» أيضا بمعنى الضلال فيكون على هذا هنا حذف مضاف تقديره «يلقون جزاء الغي» ، وبهذا فسر الزجاج. وقال عبد الله بن عمرو وابن مسعود «غي» واد في جهنم وبه وقع التوعد في هذه الآية، وقيل «غي وآثام، نيران في جهنم» رواه أبو أمامة الباهلي عن النبي عليه السلام. وقوله إِلَّا مَنْ تابَ استثناء يحتمل الاتصال والانقطاع، وقوله وَآمَنَ يقتضي أن الإضافة أولا هي إضاعة كفر هذا مع اتصال الاستثناء، وعليه فسر الطبري. وقرأ الجمهور «يدخلون» بضم الياء وفتح الخاء، وقرأ الحسن كل ما في القرآن «يدخلون» بفتح الياء وضم الخاء. وقوله جَنَّاتِ عَدْنٍ، وقرأ جمهور الناس «جنات عدن» بنصب الجنات على البدل من قوله يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وأبو حيوة «جنات» برفعها على تقدير تلك جنات، وقرأ علي بن صالح «جنة» على الإفراد والنصب وكذلك في مصحف ابن مسعود وقرأها الأعمش، و «العدن» الإقامة المستمرة. قوله بِالْغَيْبِ أي أخبرهم من ذلك بما غاب عنهم، وفي هذا مدح لهم على سرعة إيمانهم وبدارهم إذ لم يعاينوا.
و «المأتي» مفعول على بابه، والآتي هو الإنجاز والفعل الذي تضمنه الوعد، وكان إتيانه إنما يقصد به «الوعد» الذي تقدمه. وقالت جماعة من المفسرين: هو مفعول في اللفظ بمعنى فاعل بمعنى آت وهذا بعيد، والنظر الأول أصوب، و «اللغو» ، الساقط من القول، وهو أنواع مختلفة كلها ليست في الجنة، وقوله إِلَّا سَلاماً، استثناء منقطع، المعنى لكن يسمعون كلاماً هو تحية الملائكة لهم في كل الأوقات. وقوله بُكْرَةً وَعَشِيًّا، يريد في التقدير أي يأتيهم طعامهم مرتين في مقدار اليوم والليلة من الزمن، ويروى أن أهل الجنة تنسد لهم الأبواب بقدر الليل في الدنيا فهم يعرفون البكرة عند انفتاحها والعشي عند انسدادها، وقال مجاهد: ليس بكرة ولا عشيا لكن يؤتى به على قدر ما كانوا يشتهون في الدنيا، وقد ذكر نحوه قتادة، أن تكون مخاطبة بما تعرفه العرب وتستغربه في رفاهة العيش، وجعل ذلك عبارة عن أن رزقهم يأتي على أكمل وجوهه. وقال الحسن: خوطبوا على ما كانت العرب تعلم من أفضل العيش وذلك أن كثيرا من العرب إنما كان يجد الطعام المرة في اليوم وهي غايته، وكان عيش أكثرهم من شجر البرية ومن الحيوان ونحوه ألا ترى قول الشاعر: [المنسرح]
عصرته نطفة تضمنها ... لصب توقى مواقع السبل
أو وجبة من جناة أشكلة ... إن لم يزغها بالقوس لم تنل
الوجبة الأكلة في اليوم. وقرأ الجمهور «نورث» بسكون الواو، وقرأ الأعمش «نورثها» ، وقرأ الحسن والأعرج وقتادة «نورّث» بفتح الواو وشد الراء.
قوله عز وجل:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٤ الى ٦٥]
وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥)
قرأ الجمهور «وما نتنزل» بالنون كأن جبريل عنى نفسه والملائكة، وقرأ الأعرج وما «يتنزل» بالياء على

الصفحة 23