كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)
والحج والصدقات فهي شريعة تحتاج إلى اصطبار أعاننا الله عليها بمنه. وقرأ الجمهور «هل تعلم» بإظهار اللام، وقرأ علي بن نصر عن أبي عمرو بإدغام اللام في التاء وهي قراءة عيسى والأعمش والحسن وابن محيصن قال أبو علي: سيبويه يجيز إدغام اللام في الطاء والتاء والدال والثاء والضاد والزاي والسين، وقرأ أبو عمرو «وهل ثوب» بإدغامها في الثاء وإدغامها في التاء أحق لأنها أدخل معها في الفم ومن إدغامها في التاء ما روي من قول مزاحم العقيلي: [الطويل]
فذر ذا ولكن هل تعين متيما ... على ضوء برق آخر الليل ناصب
وقوله سَمِيًّا، قال قوم: وهو ظاهر اللفظ معناه موافقا في الاسم وهذا يحسن فيه أن يريد بالاسم ما تقدم من قوله رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما أي هل تعلم من يسمى بهذا ويوصف بهذه الصفة؟
وذلك أن الأمم والفرق لا يسمون بهذا الاسم وثنا ولا شيئا سوى الله تعالى، وأما الألوهية والقدرة وغير ذلك فقد يوجه السمي فيها وذلك باشتراك لا بمعنى واحد. وقال ابن عباس وغيره: قوله سَمِيًّا معناه مثيلا أو شبيها أو نحو ذلك، وهذا قول حسن، وكأن السمي بمعنى المسامي والمضاهي فهو من السمو، وهذا القول يحسن في هذه الآية ولا يحسن فيما تقدم في ذكر يحيى عليه السلام.
قوله عز وجل:
[سورة مريم (١٩) : الآيات ٦٦ الى ٦٩]
وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩)
الْإِنْسانُ اسم للجنس يراد به الكافر، وروي أن سبب هذه الآية هو أن رجالا من قريش كانوا يقولون هذا ونحوه، وذكر أن القائل هو أبي بن خلف جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم مرفت فنفخ فيه وقال أيبعث هذا وكذب وسخر، وقيل إن القائل هو العاصي بن وائل، وقرأ الأعرج وأبو عمرو «أإذا مامت» بالاستفهام الظاهر، وقرأت فرقة «إذا» دون ألف استفهام وقد تقدم هذا مستوعبا، وقرأت فرقة بكسر الميم، وقرأت فرقة «مت» بضمها. واللام في قوله لَسَوْفَ مجلوبة على الحكاية لكلام تقدم بهذا المعنى كأن قائلا قال للكافر إذا مت يا فلان لسوف تخرج حيا فقرر الكافر على الكلام على جهة الاستبعاد وكرر اللام حكاية للقول الأول. وقرأ جمهور الناس «أخرج» بضم الهمزة وفتح الراء، وقرأ الحسن بخلاف وأبو حيوة «أخرج» بفتح الهمزة وضم الراء. وقوله أَوَلا يَذْكُرُ احتجاج خاطب الله تعالى به نبيه عليه السلام ردا على مقالة الكافر. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر «ويذكر» ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي «يذكّر» بشد الذال والكاف، وقرأ أبي بن كعب «يتذكر» ، والنشأة الأولى والإخراج من العدم إلى الوجود أوضح دليل على جواز البعث من القبور ثم قرر ذلك وأوجبه السمع، وقوله وَلَمْ يَكُ شَيْئاً دليل على أن المعدوم لا يسمى شَيْئاً وقال أبو علي الفارسي أراد شَيْئاً موجودا.
قال القاضي أبو محمد: وهذه نزعة اعتزالية فتأملها وقوله فَوَ رَبِّكَ الآية وعيد يكون ما نفوه على
الصفحة 25
581