كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)

أي نحن في ذلك النزع لا نضع شيئا غير موضعه لأنا قد أحطنا علما بكل أحد فالأولى بصلي النار نعرفه، و «الصلي» مصدر صلي يصلى إذا باشره قال ابن جريج: المعنى أَوْلى بالخلود، وقوله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها قسم، والواو تقتضيه، ويفسره قول النبي عليه السلام «من مات له ثلاث من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم» . وقرأ ابن عباس وعكرمة وجماعة «وإن منهم» بالهاء على إرادة الكفار فلا شغب في هذه القراءة، وقالت فرقة من الجمهور القارئين مِنْكُمْ المعنى قل لهم يا محمد فإنما المخاطب منكم الكفرة وتأويل هؤلاء أيضا سهل التناول، وقال الأكثر المخاطب العالم كله ولا بد من «ورود» الجميع، واختلفوا في كيفية «ورود» المؤمنين فقال ابن مسعود وابن عباس وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم:
«ورود» دخول لكنها لا تعدو على المؤمنين ثم يخرجهم الله منها بعد معرفتهم بحقيقة ما نجوا منه، وروي عن ابن عباس أنه قال في هذه المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي: أما أنا وأنت فلا بد أن نردها، فأما أنا فينجيني الله منها، وأما أنت فما أظنه ينجيك. وقالوا: في القرآن أربعة أوراد معناها الدخول هذه أحدها، وقوله تعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود: ٩٨] ، وقوله وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم: ٨٦] ، وقوله إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] ، وقالوا كان من دعاء بعض السلف «اللهم أدخلني النار سالما وأخرجني منها غانما» . وروى جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام أنه قال «الورود في هذه الآية هو الدخول» . وأشفق كثير من العلماء من تحقق الورود والجهل بالصدر، وقالت فرقة بل هو ورود إشراف واطلاع وقرب كما تقول وردت الماء إذا جئته، وليس يلزم أن تدخل فيه، قال وحسب المؤمنين بهذا هؤلاء ومنه قوله تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ [القصص: ٢٣] ، وروت فرقة أن الله تعالى يجعل يوم القيامة النار جامدة الأعلى كأنها اهالة. فيأتي الخلق كلهم، برهم وفاجرهم، فيقفون عليها ثم تسوخ بأهلها ويخرج المؤمنون الفائزون لم ينلهم ضر، قالوا فهذا هو «الورود» ، وروت حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية» ، فقالت يا رسول الله وأين قول الله وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فمه ثم ننجي الذين اتقوا» ، ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الأنبياء: ١٠١] ع: وهذا ضعيف وليس هذا موضع نسخ وقال عبد الله بن مسعود: ورودهم هو جوازهم على الصراط وذلك أن الحديث الصحيح تضمن «أن الصراط مضروب على جسر جهنم فيمر الناس كالبرق وكالريح وكالجواد من الخيل على مراتب ثم يسقط الكفار في جهنم وتأخذهم كلاليب» ، قالوا فالجواز على الصراط هو «الورود» الذي تضمنته هذه الآية، وقال مجاهد: ورود المؤمنين هو الحمى التي تصيب في دار الدنيا، وفي الحديث «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء» ، وفي الحديث «الحمى حظ كل مؤمن من النار» ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل مريض عاده من الحمى: إن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من نار الآخرة فهذا هو الورود. و «الحتم» الأمر المنفذ المجزوم، وقرأ أبي بن كعب وابن عباس «ثم ننجي» بفتح الثاء من

الصفحة 27