كتاب تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (اسم الجزء: 4)
معناه أعوانا، وقال لضحاك: أعداء، وقال ابن زيد: بلاء، وقيل غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود، والضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد، وحكى الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ «كل» بالرفع ورفعها بالابتداء، وقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ الآية، الرؤية في الآية رؤية القلب، وأَرْسَلْنَا معناه سلطنا أو لم نحل بينهم وبينهم فكله تسليط وهو مثل قوله نقيض له شيطانا وتعديته ب عَلَى دال على أنه تسليط، وتَؤُزُّهُمْ معناه تغليهم وتحركهم إلى الكفر والضلال قال قتادة تزعجهم إزعاجا، قال ابن زيد: تشليهم أشلاء ومنه أزير القدر وهو غليانه وحركته ومنه الحديث أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم «فوجدته يصلي وهو يبكي ولصدره أزيز كأزيز المرجل» وقوله فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ أي لا تستبطىء عذابهم وتحب تعجيله، وقوله نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا أي مدة نعمتهم وقبيح أعمالهم لنصيرهم إلى العذاب إما في الدنيا وإلا ففي الآخرة، قال ابن عباس: نعد أنفاسهم.
قال القاضي أبو محمد: وما تضمنته هذه الألفاظ من الوعيد بعذاب الآخرة هو العامل في قوله يَوْمَ ويحتمل أن يعمل فيه لفظ مقدر تقديره واذكر أو احذر ونحو هذا، و «الحشر» الجمع، وقد صار في عرف ألفاظ الشرع البعث من القبور، وقرأ الحسن يوم «يحشر المتقون ويساق المجرمون» ، وروي عنه «ويسوق المجرمين» بالياء. و «المتقون» هم المؤمنون الذين قد غفر لهم، وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب، وإنما هي النهوض إلى الجنة، وكذلك سوق المجرمين إنما هو لدخول النار. ووَفْداً قال المفسرون معناه ركبانا وهي عادة الوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلا فشبه أهل الجنة بأولئك لا أنهم في معنى الوفادة إذ هو مضمن الانصراف، وإنما المراد تشبيههم بالوفد هيئة وكرامة، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم يجيئون ركبانا على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها من ياقوت وزبرجد ونحو هذا، وروي عن عمر بن قيس الملائي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة هي في غاية الحسن، وروي «أنهم يركب كل أحد منهم ما أحب فمنهم من يركب الإبل ومن يركب الخيل ومن يركب السفن فتجيء عائمة بهم» ، وقد ورد في الضحايا أنها مطاياكم إلى الجنة، وفي أكثر هذا بعد، لكن ذكرناه بحسب الجمع للأقوال و «السوق» يتضمن هوانا لأنهم يحفزون من ورائهم، و «الورد» العطاش قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن، وهم القوم الذين يحتفزون من عطشهم لورود لماء، ويحتمل أن يكون المصدر المعنى نوردهم وِرْداً وهكذا يجعله من رأى في القرآن أربعة أوراد في النار وقد تقدم ذكر ذلك في هذه السورة، واختلف المتأولون في الضمير في قوله يَمْلِكُونَ فقالت فرقة: هو عائد على المجرمين، أي لا يَمْلِكُونَ أن يشفع لهم ولا سبيل لهم إليها، وعلى هذا التأويل فهم المشركون خاصة، ويكون قوله إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً استثناء منقطعا، أي لكن من اتخذ عهدا يشفع له، والعهد على هذا الإيمان قال ابن عباس: العهد لا إله إلا الله. وفي الحديث «يقول الله تعالى يوم القيامة من كان له عندي عهد فليقم» وفي الحديث «خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن تامة كان له عند الله عهد أن يدخل الجنة» . والعهد أيضا الإيمان وبه فسر قوله لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: ١٢٤] ويحتمل أن يكون «المجرمون» يعم الكفرة والعصاة ثم أخبر أنهم لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إلا العصاة المؤمنون فإنهم يشفع فيهم فيكون الاستثناء متصلا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني
الصفحة 32
581