كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

مِنَ اللَّهِ، وَفِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ «1» ، وَقَالَ قَتَادَةُ: النُّعَاسُ فِي الرَّأْسِ، وَالنَّوْمُ فِي الْقَلْبِ.
قُلْتُ: أَمَّا النُّعَاسُ فَقَدْ أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ وأمر ذلك مشهور جدا، وأما الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ بَدْرٍ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى وُقُوعِ ذَلِكَ أَيْضًا وكأن ذلك كائن لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ شِدَّةِ الْبَأْسِ لِتَكُونَ قُلُوبُهُمْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً بِنَصْرِ اللَّهِ، وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ورحمته بهم ونعمته عَلَيْهِمْ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الانشراح: 5- 6] وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْعَرِيشِ مَعَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عنه وهما يدعوان أخذت رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من النوم ثم استيقظ مبتسما فَقَالَ: «أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ هَذَا جِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ النَّقْعُ» ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الْعَرِيشِ وَهُوَ يَتْلُو قَوْلَهُ تَعَالَى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [الْقَمَرِ:
45] .
وَقَوْلُهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر والمشركون بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَاءِ رَمْلَةٌ دِعْصَةٌ وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ ضَعْفٌ شَدِيدٌ وَأَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي قُلُوبِهِمِ الْغَيْظَ يُوَسْوِسُ بَيْنَهُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَقَدْ غَلَبَكُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ تُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ فَأَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَطَرًا شَدِيدًا فَشَرِبَ الْمُسْلِمُونَ وَتَطَهَّرُوا وَأَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمْ رجس الشيطان وثبت الرَّمْلُ حِينَ أَصَابَهُ الْمَطَرُ وَمَشَى النَّاسُ عَلَيْهِ والدواب فساروا إلى القوم، وأمد الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَكَانَ جِبْرِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَةً، وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مُجَنِّبَةً «2» .
وَكَذَا قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ لَمَّا خَرَجُوا لِيَنْصُرُوا الْعِيرَ وَلِيُقَاتِلُوا عَنْهَا نَزَلُوا عَلَى الْمَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ فَغَلَبُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ فَأَصَابَ الْمُؤْمِنِينَ الظَّمَأُ فَجَعَلُوا يُصَلُّونَ مُجْنِبِينَ مُحْدِثِينَ حَتَّى تعاطوا ذَلِكَ فِي صُدُورِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ ماء حتى سال الوادي فشرب المؤمنون وملؤوا الْأَسْقِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ وَاغْتَسَلُوا مِنَ الْجَنَابَةِ فَجَعَلَ الله في ذلك طهورا وثبت به الْأَقْدَامَ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَوْمِ رَمْلَةٌ فَبَعَثَ اللَّهُ الْمَطَرَ عَلَيْهَا فَضَرَبَهَا حَتَّى اشْتَدَّتْ وَثَبَتَتْ عَلَيْهَا الْأَقْدَامُ «3» .
وَنَحْوُ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ، وَقَدْ رُوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيِّ والزُّهْرِيِّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إِنَّهُ طَشٌّ «4» أَصَابَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ «5» .
وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَارَ إِلَى بَدْرٍ نَزَلَ عَلَى أَدْنَى مَاءٍ هُنَاكَ أَيْ أَوَّلِ ماء وجده
__________
(1) انظر تفسير الطبري 6/ 192.
(2) انظر تفسير الطبري 6/ 194.
(3) تفسير الطبري 6/ 194.
(4) الطش: المطر القليل، وهو فوق الرذاذ. [.....]
(5) تفسير الطبري 6/ 193، 194.

الصفحة 20