كتاب تفسير ابن كثير ط العلمية (اسم الجزء: 4)

يُعْطَى الْأَدِلَّاءُ وَرُعَاةُ الْمَاشِيَةِ وَالسَّوَّاقُ لَهَا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ.
قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: الأنفال أن لا يَخْرُجَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْخُمُسِ شَيْءٌ غَيْرُ السَّلَبِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ النَّفَلِ هُوَ شَيْءٌ زِيدُوهُ غَيْرَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ لَهُ خُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ كُلِّ غَنِيمَةٍ، فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْتَهِدَ، فَإِذَا كَثُرَ الْعَدُوُّ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ وَقَلَّ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، نَفَلَ مِنْهُ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَنْفُلْ.
[وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ] مِنَ النَّفَلِ إِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا فَقَالَ لَهُمْ قَبْلَ اللِّقَاءِ مَنْ غَنِمَ شيئا، فهو له، بعد الخمس فهو لَهُمْ عَلَى مَا شَرَطَ الْإِمَامُ، لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَزَوْا وَبِهِ رَضُوا، انْتَهَى كَلَامُهُ. وَفِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: إِنَّ غَنَائِمَ بَدْرٍ لَمْ تُخَمَّسْ نَظَرٌ.
وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فِي شَارِفَيْهِ اللَّذَيْنِ حَصَلَا لَهُ مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ السِّيرَةِ بَيَانًا شَافِيًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أَي اتَّقُوا اللَّهَ فِي أُمُورِكُمْ وَأَصْلِحُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَلَا تَظَالَمُوا وَلَا تَخَاصَمُوا وَلَا تَشَاجَرُوا فَمَا آتَاكُمُ اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ خَيْرٌ مِمَّا تَخْتَصِمُونَ بِسَبَبِهِ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيْ فِي قَسْمِهِ بَيْنَكُمْ عَلَى ما أراده الله، فإنه إنما يقسمه كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، وَقَالَ ابن عباس: هذا تحريج من الله ورسوله أن يتقوا وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ أَيْ لا تستبوا.
ولنذكر هَاهُنَا حَدِيثًا أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ شَيْبَةَ الْحَبَطِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بأبي أنت وأمي؟ فقال: «رجلان من أمتي جثيا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا:
يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي مِنْ أخي.
فقال الله تعالى، أعط أخاك مظلمته، قَالَ: يَا رَبِّ لَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ قَالَ: رَبِّ فَلْيَحْمِلْ عَنِّي مِنْ أَوْزَارِي» . قال: فَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ ذَلِكَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى مَنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بصرك وانظر فِي الْجِنَانِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ فِضَّةٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أعطى ثمنه، قال رب ومن يملك ثمنه؟ قَالَ أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: مَاذَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: تَعْفُو عَنْ

الصفحة 8