كتاب شرح المفصل لابن يعيش (اسم الجزء: 4)

مقصور وممدود. فأما "الغَراء" فممدود، فهو شاذ بمنزلة "الظَّماء" من قولهم: "سنة ظَمْياءُ"، بينةُ الظَّماء، جاء على "فَعالٍ" بمنزلة "الذهاب" و"البَداء"، والقياس فيهما القصر على حد نظائرهما. هكذا نقله سيبويه ممدودًا، وعليه الفراء، وخالف في ذلك الأصمعى، ورواه مقصورًا. والقياسُ مع الأصمعي مع الرواية, فأمّا قول كُثَيرٍ [من الطويل]:
866 - إذا قيل مَهْلًا فاضتِ العَيْنُ بالبُكا ... غِراءً ومَدَّتْها مَدامِعُ نُهَّلُ
بكسر الغين، كأنّه جعله مصدر "غَارَى، يُغارِي غِراءً"، وهو "فَاعَلَ"، ومصدرُ "فَاعَلَ" يأتي على "فِعَالٍ"، مثلَ: "رَامَى يُرامِي رِماءً"، ومثله من الصحيح: "قاتَلَ قِتالًا".
ومما يُعرَف به المقصور أن يكون جمعًا، وواحدُه على "فُعْلَةَ" مضمومَ الأول، أو "فِعْلَةَ" مكسور الأول، فإنّه إذا كان على هذا البناء، وأُريد جمعه على التكسير؛ فما كان منه على "فُعْلَةَ"، فإنّ جمعه على "فُعَلٍ" وما كان على "فِعْلَةَ" بالكسر؛ فجمعُه على "فِعَلٍ"، نحوِ: "عُرْوَةٍ"، و"عُرى"، و"جِزْيَةٍ"، و"جِزى"؛ لأن نظيرهما من الصحيح "ظُلْمَة"، و"ظُلَمٌ"، و"كِسْرَةٌ"، و"كِسَر"، ولذلك كان نظيرُهما من المعتل مقصورًا؛ لأنّه لمّّا كان آخِرُه حرف علة وقبله فتحة، انْقَلَبَ ألفًا، فاعرفه.

فصل [الأسماء الممدودة]
قال صاحب الكتاب: والإعطاء والرماء والاشتراء والاحبنطاء وما شاكلهن من المصادر ممدودات؛ لوقوع الألف قبل الأواخر في نظائرهن الصحاح,
¬__________
866 - التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص255؛ وأمالي القالي 1/ 60؛ وسمط اللآلي ص 223؛ وشرح التصريح 2/ 292؛ والمقاصد النحوية 4/ 509؛ وشرح الأشموني 3/ 655.
اللغة: غراء: إلحاحًا. نهّل: غزيرة الدمع.
المعنى: يقول: إذا دعوت نفسي للتجلد فاضت دموع العين إلحاحًا في تعذيبي، تساعدها المدامع بغزارة.
الإعراب: "إذا": ظرف زمان يتضمن معنى الشرط متعلّق بجوابه. "قيل": فعل ماضٍ مبني للمجهول مبني على الفتح. "مهلا": مفعول مطلق لفعل محذوف. "فاضت": فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث. "العين": فاعل مرفوع بالضمّة. "بالبكا": جار ومجرور متعلّقان بـ "فاض"."غراء": مفعول مطلق منصوب. "ومدتها": الواو حرف عطف، "مدتها": فعل ماضٍ، والتاء للتأنيث، و"ها" ضمير في محلّ نصب مفعول به. "مدامع": فاعل مرفوع. "نهّل": نعت "مدامع" مرفوع بالضمة.
وجملة "إذا قيل ... ": الشرطية ابتدائية لا محلّ لها من الإعراب. وجملة: "قيل": في محل جرّ بالإضافة. وجملة "مهلا": في محل رفع نائب فاعل. وجملة "فاضت العين": جواب شرط غير جازم لا محلّ لها من الإعراب. وجملة "مدّتها مدامع": معطوفة على "فاضت".
والشاهد فيه قوله: "غراء" حيث زعم ابن عصفور أنه مصدر "غري بالشيء" وأن مده شاذ وقياسه القصر، والرواية بكسر الغين، فهو من الفعل "غارى"، ولذلك يكون مدّه قياسًا، مثل: قاتل قتالًا.

الصفحة 39